responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 200
هَدَاهُمْ إِلَيْهَا بِالْعَقْلِ وَالْمَشَاعِرِ، وَبِكِتَابِهِ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى الَّذِينَ أُوتُوهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِقِينَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُمُ الْعُصَاةُ بِمَا دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْمَعَاصِي، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا. وَتِلْكَ الِاصْطِلَاحَاتُ حَادِثَةٌ بَعْدَ التَّنْزِيلِ وَقَدْ كَانَ التَّعْبِيرُ بِـ " يُضِلُّ " مُشْعِرًا بِأَنَّ الْمَثَلَ هُوَ مَنْشَأُ الْإِضْلَالِ وَالْهِدَايَةِ بِذَاتِهِ، فَنَفَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ مَنْشَأَ الضَّلَالِ رَاسِخٌ فِيهِمْ وَفِي أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُهْتَدِينَ فِي الْكَثْرَةِ كَالضَّالِّينَ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ، وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي التَّسْوِيَةِ إِفَادَةُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهْتَدِينَ - عَلَى قِلَّتِهِمْ - أَجَلُّ فَائِدَةً وَأَكْثَرُ نَفْعًا وَأَعْظَمُ آثَارًا مِنْ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ الْفَاسِقِينَ الضَّالِّينَ - عَلَى كَثْرَتِهِمْ - لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قِيلَ:
قَلِيلٌ إِذَا عُدُّوا كَثِيرٌ إِذَا اشْتَدُّوا
وَلِذَلِكَ جُعِلَ الْوَاحِدُ فِي الْقِتَالِ بِعَشَرَةٍ فِي حَالِ الْقُوَّةِ وَالْعَزِيمَةِ، وَبِاثْنَيْنِ فِي حَالِ الضَّعْفِ، قِيلَ: هُوَ ضَعْفُ الْبَدَنِ، وَقِيلَ: بَلْ ضَعْفُ الْبَصِيرَةِ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَثَرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ سَادُوا جَمِيعَ الْعَالَمِينَ:
وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا ... إِلَى الْمَجْدِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ
إِنَّ الْكِرَامَ كَثِيرٌ فِي الْبِلَادِ وَإِنْ ... قَلُّوا كَمَا غَيْرُهُمْ قَلٌّ وَإِنْ كَثُرُوا
وَأَمَّا وَجْهُ تَقْدِيمِ الْإِضْلَالِ عَلَى الْهِدَايَةِ، فَلِأَنَّ سَبَبَهُ وَمَنْشَأَهُ مِنَ الْكُفْرِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْآيَاتُ الْمُبَيِّنَةُ بِالْأَمْثَالِ لِإِخْرَاجِهِمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَاطِلِ إِلَى نُورِ الْحَقِّ، فَزَادَتِ الْفَاسِقِينَ رِجْسًا عَلَى رِجْسِهِمْ؛ لِأَنَّ نُورَ الْفِطْرَةِ قَدِ انْطَفَأَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِتَمَادِيهِمْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَقَطْعِ الْوَصْلِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، كَمَا فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ فِي الْآيَةِ لَفًّا وَنَشْرًا غَيْرَ مُرَتَّبٍ فَإِنَّ الضَّلَالَ ذُكِرَ أَوَّلًا، وَهُوَ لِلْفَرِيقِ الثَّانِي، وَالْهُدَى ذُكِرَ آخِرًا، وَهُوَ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ.
هَذَا وَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ وَضَلَالِ قَوْمٍ بِهِ وَهِدَايَةِ آخَرِينَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَثَلُ الْكَلَامِيُّ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، أَخْذًا مِمَّا وَرَدَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَثَلِ فِي الْآيَةِ الْقُدْوَةُ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ وَيُهْتَدَى بِهَدْيِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لِلْمَثَلِ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ) (43: 56) وَقَوْلِهِ: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (43: 57) وَقَالَ فِيهِ: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ 43: 59) فَهَذِهِ الْآيَةُ تَهْدِينَا
إِلَى فَهْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا) وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَحْضُ شُبْهَةِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاحِيَّتَهُ لِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا يُقْتَدَى بِهِ، وَهِيَ أَنَّهُ بَشَرٌ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَرَبِ وَهُمُ الْيَهُودُ.
وَقَدْ حَكَى هَذِهِ الشُّبْهَةَ عَنْهُمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَ بَشَرًا مِثْلَنَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 200
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست