responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 198
وَيَنْتَهِي إِلَى أَعْمَاقِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ فِي الْكَلَامِ قَلْبًا حَيْثُ جُعِلَ الْمَثَلُ هُوَ الْمَضْرُوبُ وَإِنَّمَا هُوَ مَضْرُوبٌ بِهِ، هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأُسْتَاذُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى مِنْ جَعْلِ الضَّرْبِ لِلْمَثَلِ كَضَرْبِ الْقُبَّةِ وَالْخَيْمَةِ أَوْ ضَرْبِ النُّقُودِ.
وَإِذَا كَانَ الْغَرَضُ التَّأْثِيرَ فَالْبَلَاغَةُ تَقْضِي بِأَنْ تُضْرَبَ الْأَمْثَالُ لِمَا يُرَادُ تَحْقِيرُهُ وَالتَّنْفِيرُ عَنْهُ بِحَالِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي جَرَى الْعُرْفُ بِتَحْقِيرِهَا، وَاعْتَادَتِ النُّفُوسُ النُّفُورَ مِنْهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى بَلِيغٍ، وَلَا عَلَى عَاقِلٍ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُنْكِرِينَ لَمْ يَرَوْا فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا يُعَابُ فَتَحَمَّلُوا بِقَوْلِهِمْ هَذَا:
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إِنَّهُ لَدَمِيمُ
وَجَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الْمُتَحَذْلِقِينَ الْمُتَكَيِّسِينَ إِذْ يَتَحَامَوْنَ ذِكْرَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي مَدْلُولَاتُهَا حَقِيرَةٌ فِي الْعُرْفِ، وَإِذَا اضْطُرُّوا لِذِكْرِهَا شَفَعُوهَا بِمَا يَشْفَعُ لَهَا كَقَوْلِهِمْ: " أَجَلَّكُمُ اللهُ " وَإِذَا كَانَ شَأْنُ الْمَثَلِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ ذِكْرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْفِرُ مِنْهَا مَنْ
ذَكَرْنَا فِي الْأَمْثَالِ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا التَّنْفِيرُ هُوَ الْأَبْلَغُ فِي التَّأْثِيرِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الْبَلَاغَةِ وَسِرُّهَا، كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) مُبَيِّنًا لِشَأْنٍ مِنْ شُئُونِ كَمَالِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَقَاضِيًا عَلَى الَّذِينَ يَتَحَامَوْنَ ذِكْرَ الْبَعُوضَةِ وَأَمْثَالِهَا بِنَقْصِ الْعَقْلِ، وَخُسْرَانِ مِيزَانِ الْفَضْلِ، وَالْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْبَعُوضَةِ مَا عَلَاهَا وَفَاقَهَا فِي مَرْتَبَةِ الصِّغَرِ وَمِنْهَا جِنَّةُ النَّسَمِ (الْمَيِكْرُوبَاتُ) الَّتِي لَا تُرَى إِلَّا بِالنَّظَّارَاتِ الْمُكَبِّرَةِ (ميكرسكوب) وَكَانُوا يَضْرِبُونَ الْمَثَلَ بِمُخِّ النَّمْلَةِ، وَفِي كَلَامِ بُلَغَائِهِمْ: " أَسْمَعُ مِنْ قُرَادٍ، وَأَطْيَشُ مِنْ فَرَاشَةٍ، وَأَعَزُّ مِنْ مُخِّ الْبَعُوضَةِ " وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ ضَرْبَ مَثَلٍ مَا مِنَ الْأَمْثَالِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعُوضَةً أَوْ أَصْغَرَ مِنْهَا حَجْمًا، وَأَقَلَّ عِنْدَ النَّاسِ شَأْنًا.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ فَرِيقَانِ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ نَقْصًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى، فَهُوَ لَيْسَ نَقْصًا فِي جَانِبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ مُبَيِّنٌ لِلْحَقِّ وَمُقَرِّرٌ لَهُ، وَسَائِقٌ إِلَى الْأَخْذِ بِهِ بِمَا لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي النَّفْسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ تَعْرِضُ لِلذِّهْنِ مُجْمَلَةً مُبْهَمَةً فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحِيطَ بِهَا وَيَنْفُذَ فِيهَا فَيَسْتَخْرِجَ سِرَّهَا، وَالْمَثَلُ هُوَ الَّذِي يُفَصِّلُ إِجْمَالَهَا وَيُوَضِّحُ إِبْهَامَهَا، فَهُوَ مِيزَانُ الْبَلَاغَةِ وَقِسْطَاسُهَا، وَمِشْكَاةُ الْهِدَايَةِ وَنِبْرَاسُهَا، وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى عَبْدَ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيَّ إِمَامَ الْبَلَاغَةِ وَالْوَاضِعَ الْأَوَّلَ لِعِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَمُؤَلِّفَ (أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ) وَ (دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ لِتَحْقِيقِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ) حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ:
" وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّمْثِيلَ إِذَا جَاءَ فِي أَعْقَابِ الْمَعَانِي، أَوْ بَرَزَتْ هِيَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 198
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست