responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 135
بِأَنَّهُمْ رَكِبُوا هَوَاهُمْ وَلَمْ يَتَّبِعُوا هَدْيَ سَلَفِهِمْ وَلَا هُدَاهُمْ، يَنْتَحِلُونَ لَهُ الْعِلَلَ الضَّعِيفَةَ وَيَتَمَحَّلُونَ لَهُ الْأَعْذَارَ السَّخِيفَةَ، فَهُوَ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْعِلْمِ الَّذِي تَتَكَيَّفُ بِهِ النَّفْسُ، وَيَكْفِي فِي إِثْبَاتِ سَفَهِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ حُسْنَ حَالِ سَلَفِهِمْ، وَيَعْتَرِفُونَ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَلَا يَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ فِي نَجَاتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْأَمَانِيِّ وَالتَّعِلَّاتِ، كَقَوْلِهِمْ: (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (3: 24) وَقَوْلِهِمْ (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (5: 18) وَشَعْبُهُ وَأَصْفِيَاؤُهُ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ الشُّعُورِ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِرَافِ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْعِلْمِ الْكَامِلِ الَّذِي يُزِيلُ الشُّبَهَ وَيَذْهَبُ بِالْعِلَلِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْعَمَلِ.
وَهَذَا أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ اللَّابِسِينَ لِبَاسَ الْإِسْلَامِ وَهُمْ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ، يَعْتَقِدُونَ كَمَالَ سَلَفِهِمْ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِهِمْ، وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِانْتِسَابِهِمْ إِلَى أُولَئِكَ السَّلَفِ الْعِظَامِ، وَلِكَوْنِهِمْ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِشَهَادَةِ اللهِ فِي الْقِدَمِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا فَضُلَتْ سِوَاهَا
بِكَوْنِهَا أُمَّةً وَسَطًا تَقُومُ عَلَى جَادَّةِ الِاعْتِدَالِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَتَسْعَى فِي إِصْلَاحِ الْبَشَرِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (2: 143) وَتَفْسِيرِ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (3: 110) وَلَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، إِلَّا الْأَمَانِيُّ وَالتَّعِلَّاتُ.
وَأَزِيدُ فِي هَذَا السِّيَاقِ الَّذِي شَرَحْتُ بِهِ قَوْلَ شَيْخِنَا فِي الدَّرْسِ: تَذْكِيرُ هَؤُلَاءِ مَرْضَى الْقُلُوبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوا سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ فِي هَذَا كَمَا اتَّبَعُوهُمْ فِي غَيْرِهِ ((شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ)) كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ - أَزْيَدُ فِيهِ تَذْكِيرَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْآتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ: (لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (2: 78) وَقَوْلِهِ فِيهِمْ وَفِي أَفْضَلِ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (4: 123) الْآيَاتِ.
ثُمَّ أَقُولُ: إِنَّ جَرَيَانَ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِي مُنَافِقِي الْعَرَبِ أَظْهَرُ مِمَّا قَبْلَهُ - فَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ وَأَصْحَابُهُ مِنْ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ، كَانُوا أَبْعَدَ عَنِ الْإِيمَانِ وَأَدْنَى إِلَى مُخَادَعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُنَافِقِي الْيَهُودِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ سُفَهَاءَ الْأَحْلَامِ، فِي اتِّبَاعِهِمْ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ -، أَمَّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُمْ، فَلِأَنَّهُمْ عَادَوْا قَوْمَهُمْ وَأَقَارِبَهُمْ وَهَجَرُوا وَطَنَهُمْ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ لِيَكُونُوا تَابِعِينَ لَهُ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ، فَلِأَنَّهُمْ شَارَكُوا الْمُهَاجِرِينَ فِي دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَكَوْنُ هَذَا مِنَ السَّفَهِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِ بِهَذَا الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ - وَلِذَلِكَ نُفِيَ عَنْهُمُ الشُّعُورُ بِأَنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ: مَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 135
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست