responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 132
يَجْتَثُّ أُصُولَ الْفَسَادِ وَيَصْطَلِمُ جَرَاثِيمَ الْإِدَادِ، وَيُحْيِي مَا أَمَاتَتْهُ الْبِدَعُ مِنْ إِرْشَادِ الدِّينِ، وَيُقِيمُ مَا قَوَّضَتْهُ التَّقَالِيدُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ.
(قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) بِالتَّمَسُّكِ بِمَا اسْتَنْبَطَهُ الرُّؤَسَاءُ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَحْبَارُ وَالْعَرْفَاءُ مِنْ تَعَالِيمِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ أَعْرَفُ بِسُنَّتِهِمْ، وَأَدْرَى بِطَرِيقَتِهِمْ، فَكَيْفَ نَدَعُ مَا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْهُمْ وَنَذَرُ مَا يُؤْثِرُهُ آبَاؤُنَا وَشُيُوخُنَا عَنْهُمْ وَنَأْخُذُ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ وَطَارِفٍ لَيْسَ لَهُ تَلِيدٌ؟
هَكَذَا شَأْنُ كُلِّ مُفْسِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُصْلِحٌ فِي نَفْسِ إِفْسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ إِفْسَادِهِ عَارِفًا أَنَّهُ مُضِلٌّ - وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ إِفْسَادُهُ لِغَيْرِهِ لِعَدَاوَةٍ مِنْهُ لَهُ - فَإِنَّمَا يَدَّعِي ذَلِكَ لِتَبْرِئَةِ نَفْسِهِ مِنْ وَصْمَةِ الْإِفْسَادِ بِالتَّمْوِيهِ وَالْمُوَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مَسُوقًا إِلَى الْإِفْسَادِ بِسُوءِ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا مِيزَانَ فِيهِ لِمَعْرِفَةِ الْإِصْلَاحِ مِنَ الْإِفْسَادِ إِلَّا الثِّقَةُ بِالرُّؤَسَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، فَهُوَ يَدَّعِيهِ عَنِ اعْتِقَادٍ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَفْهَمَ غَيْرَ مَا تَلَقَّاهُ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَثَرُ تَقْلِيدِهِمْ وَالسَّيْرُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مُفْسِدًا لِلْأُمَّةِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ وَالْحَقِيقَةَ الْوَاقِعَةَ لَا قِيمَةَ لَهُمَا وَلَا اعْتِبَارَ فِي نَظَرِ الْمُقَلِّدِينَ، بَلْ هُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنَاشِئَ الْفَسَادِ وَمَصَادِرَ الْخَلَلِ وَلَا مَزَالِقَ الزَّلَلِ، لِأَنَّهُمْ عَطَّلُوا نَظَرَهُمُ الَّذِي يُمَيَّزُ ذَلِكَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُوقِعُوا غَيْرَهُمْ بِهَذِهِ الْمَهَالِكِ، بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ الْإِسْلَامِ الدَّاعِي إِلَى الْوَحْدَةِ وَالِالْتِئَامِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ دُعَاءً إِلَى الْفُرْقَةِ وَالِانْفِصَامِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الْبَشَرِ أَوِ الْأَصْنَامِ، وَأَيُّ إِفْسَادٍ فِي الْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَعَنِ الِاعْتِصَامِ بِدِينٍ فِيهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَالْأَرْضُ إِنَّمَا تَفْسُدُ وَتَصْلُحُ بِأَهْلِهَا؟
وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ الْمُؤَكَّدَ لِإِثْبَاتِ إِفْسَادِهِمْ بِكَلِمَةِ " أَلَا " الَّتِي يُرَادُ بِهَا التَّنْبِيهُ وَالْإِيقَاظُ وَتَوْجِيهُ النَّظَرِ، وَتَدُلُّ عَلَى اهْتِمَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِمَا يَحْكِيهِ بَعْدَهَا.
(وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) بِأَنَّ هَذَا إِفْسَادٌ غَرَزَ فِي طَبَائِعِهِمْ بِمَا تَمَكَّنَ فِيهَا مِنَ الشُّبْهَةِ بِتَقْلِيدِ رُؤَسَائِهِمُ الَّذِينَ أُشْرِبُوا عَظَمَتَهُمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُعَانِدِينَ وَلَا مُرَائِينَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادٍ ضَعِيفٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْعَمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ (يُخَادِعُونَ اللهَ) .
وَإِذَا كَانَتِ الْآيَاتُ فِي وَصْفِ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ تُوجَدُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ - كَمَا قَدَّمْنَا - فَلْيُحَاسِبْ بِهَا نَفْسَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْقُرْآنَ إِمَامُهُ وَأَنَّ فِيهِ هُدًى لَهُ، فَإِنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ بِالْقَوْلِ وَيَعْمَلُونَ بِخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ وَيَتَّبِعُونَ غَيْرَ سَبِيلِهِ.
وَأَقُولُ الْآنَ: هَذِهِ جُمْلَةُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فِي الدَّرْسِ وَاضِعًا نُصْبَ عَيْنَيْهِ مُنَافِقِي الْيَهُودِ، وَلَا سِيَّمَا فُقَهَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ، وَشِدَّةُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فُقَهَاءِ السُّوءِ وَلَا سِيَّمَا فُقَهَاءِ عَصْرِنَا هَذَا، وَلِذَلِكَ نَبَّهَ لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَشُمُولِهَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست