responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 126
السَّرَائِرِ، وَعَالِمٌ بِمَا فِي الضَّمَائِرِ، فَيُرْضِيهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. بَلْ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِبَعْضِ ظَوَاهِرِ الْعِبَادَاتِ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُرْضُونَ اللهَ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمْ:
(يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أَقُولُ: الْخَدْعُ: أَنْ تُوهِمَ غَيْرَكَ خِلَافَ مَا تُخْفِيهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ لَهُ لِتُنْزِلَهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَدَعَ الضَّبُّ إِذَا تَوَارَى فِي جُحْرِهِ، وَضَبٌّ خَادِعٌ، إِذَا أَوْهَمَ الصَّائِدَ إِقْبَالَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابٍ آخَرَ،
وَأَصْلُهُ: الْإِخْفَاءُ.
هَذَا مَا حَرَّرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَدْ جَعَلَهُ الرَّاغِبُ أَعَمَّ، فَلَمْ يَعْتَبِرْ فِيمَا يُخْفِيهِ الْخَادِعُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَمْتَنِعُ إِسْنَادُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْمُشَارَكَةِ (يُخَادِعُونَ) وَقَالُوا: إِنَّهُ مُحَالٌ عَلَى اللهِ وَغَيْرُ لَائِقٍ بِالْمُؤْمِنِينَ بَلْ يُسْتَقْبَحُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْمُنَافِقِينَ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (4: 142) وَلَمَّا كَانَ إِخْفَاءُ شَيْءٍ عَنِ اللهِ تَعَالَى مُحَالًا فَسَّرُوا مُخَادَعَتَهُمْ لِلَّهِ هُنَا وَهُنَاكَ بِأَنَّهُ خِدَاعٌ فِي الصُّورَةِ لَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَرَعَ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُجْزَوْنَ جَزَاءَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ يَكُونُونَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، فَمُعَامَلَتُهُمُ الظَّاهِرَةُ غَيْرُ جَزَائِهِمُ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ عَمَلَهُمُ الظَّاهِرَ غَيْرُ كُفْرِهِمُ الْخَفِيِّ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَلَكِنَّ عَمَلَهُمْ خِدَاعٌ، وَمُقَابَلَةُ حَقِّ صُورَتِهِ صُورَةُ الْخِدَاعِ، وَلَكِنَّهُ لَا غِشَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ صَرِيحَةٌ فِي كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ فِعْلَ الْمُشَارَكَةِ هُنَا خَاصٌّ بِالْفَاعِلِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِعْلُهُ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَصِيغَةُ " فَاعِلٍ " لَا تَطَّرِدُ فِيهَا الْمُشَارِكَةُ بِالْفِعْلِ كَعَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَقَدْ تَكُونُ مُقَدَّرَةً أَوْ بِاعْتِبَارِ الشَّأْنِ أَوِ الْقَصْدِ، وَمِنَ التَّكَلُّفِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ عَبَّرَ عَنْ مُخَادَعَتِهِمْ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُخَادَعَةِ اللهِ تَعَالَى.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الْعَمَلُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَصْدُقُهُ الْبَاطِنُ إِذَا قُصِدَ بِهِ إِرْضَاءُ آخَرَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ: مُدَاجَاةً، وَمُدَارَاةً، وَمُخَادَعَةً، فَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ بِهِ الْمُخَادَعَةُ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَكْفِي لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْعَمَلَ عَمَلُ الْمُخَادِعِ لَا عَمَلُ الطَّائِعِ الْخَاضِعِ، وَهَذَا مُرَادُ الْقُرْآنِ مِنْ مُخَادَعَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ إِيمَانًا نَاقِصًا، لَمْ يَقْدُرُوا اللهَ فِيهِ حَقَّ قَدْرِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْصِدَ الْمُؤْمِنُ بِاللهِ تَعَالَى مُخَادَعَتَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لِجَهْلِهِمْ بِاللهِ ظَنُّوا بِهِ مَا يُسَوِّغُ وَصْفَهُمْ بِمَا ذَكَرَ عَنْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أَقُولُ: وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (وَمَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا آنِفًا فِي صِيغَةِ " فَاعِلٍ " وَالْمُشَارَكَةُ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْخَادِعُونَ الْمَخْدُوعُونَ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ (يَخْدَعُونَ) نَصٌّ فِي أَنَّ مُخَادَعَتَهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست