responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 11
الْعَصْرِ فِي سُهُولَةِ التَّعْبِيرِ، وَمُرَاعَاةِ أَفْهَامِ صُنُوفِ الْقَارِئِينَ، وَكَشْفِ شُبَهَاتِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفَلْسَفَةِ وَالْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَغَيْرِهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَرَاهُ قَرِيبًا - هُوَ مَا يَسَّرَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ لِهَذَا الْعَاجِزِ، وَهَاكَ مُوجَزًا مِنْ نَبَأِ تَيْسِيرِهِ لَهُ.
كُنْتُ مِنْ قَبْلِ اشْتِغَالِي بِطَلَبِ الْعِلْمِ فِي طَرَابُلُسَ الشَّامِ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ مَيَّالًا إِلَى التَّصَوُّفِ، وَكُنْتُ أَنْوِي بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الِاتِّعَاظَ بِمَوَاعِظِهِ لِأَجْلِ الرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَلَمَّا رَأَيْتُ نَفْسِي أَهْلًا لِنَفْعِ النَّاسِ بِمَا حَصَّلْتُ مِنَ الْعِلْمِ - عَلَى قِلَّتِهِ - صِرْتُ أَجْلِسُ إِلَى الْعَوَامِّ فِي بَلَدِنَا أَعِظُهُمْ بِالْقُرْآنِ مُغَلِّبًا التَّرْهِيبَ عَلَى التَّرْغِيبِ، وَالْخَوْفَ عَلَى الرَّجَاءِ، وَالْإِنْذَارَ عَلَى التَّبْشِيرِ، وَالزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْقَصْدِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهَا.
فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْحَالِ الْغَالِبَةِ عَلَيَّ ظَفِرَتْ يَدِي بِنُسَخٍ مِنْ جَرِيدَةِ " الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " فِي أَوْرَاقِ وَالِدِي، فَلَمَّا قَرَأْتُ مَقَالَاتِهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَإِعَادَةِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ وَسُلْطَانِهِ وَعِزَّتِهِ، وَاسْتِرْدَادِ مَا ذَهَبَ مِنْ مَمَالِكِهِ، وَتَحْرِيرِ مَا اسْتَعْبَدَ الْأَجَانِبُ مِنْ شُعُوبِهِ - أَثَّرَتْ فِي قَلْبِي تَأْثِيرًا دَخَلْتُ بِهِ فِي طَوْرٍ جَدِيدٍ مِنْ حَيَاتِي، وَأُعْجِبْتُ جِدَّ الْإِعْجَابِ بِمَنْهَجِ تِلْكَ الْمَقَالَاتِ فِي الِاسْتِشْهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَضَايَاهَا بِآيَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ تَفْسِيرُهَا مِمَّا لَمْ يُحَوِّمْ حَوْلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى اخْتِلَافِ أَسَالِيبِهِمْ فِي الْكِتَابَةِ، وَمَدَارِكِهِمْ فِي الْفَهْمِ. وَأَهُمُّ مَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْهَجُ " الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
(أَحَدُهَا) بَيَانُ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْخَلْقِ وَنِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، وَأَسْبَابِ تَرَقِّي الْأُمَمِ وَتَدَلِّيهَا، وَقُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا.
(ثَانِيهَا) بَيَانُ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ سِيَادَةٍ وَسُلْطَانٍ، وَجَمْعٍ بَيْنَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ دِينٌ رُوحَانِيٌّ اجْتِمَاعِيٌّ، وَمَدَنِيٌّ عَسْكَرِيٌّ، وَأَنَّ الْقُوَّةَ الْحَرْبِيَّةَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْعَادِلَةِ، وَالْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ، وَعِزَّةِ الْمِلَّةِ، لَا لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الدِّينِ بِالْقُوَّةِ.
(ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ جِنْسِيَّةٌ إِلَّا دِينَهُمْ، فَهُمْ إِخْوَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ نَسَبٌ وَلَا لُغَةٌ وَلَا حُكُومَةٌ.
تِلْكَ الْمَقَالَاتُ الَّتِي حَبَّبَتْ إِلَيَّ حَكِيمَيِ الشَّرْقِ، وَمُجَدِّدَيِ الْإِسْلَامِ وَمُصْلِحَيِ الْعَصْرِ: السَّيِّدَ جَمَالَ الدِّينِ الْحُسَيْنِيَّ الْأَفْغَانِيَّ وَالشَّيْخَ مُحَمَّدَ عَبْدَهُ الْمِصْرِيَّ، وَهُمَا اللَّذَانِ أَنْشَآ جَرِيدَةَ " الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى " فِي بَارِيسَ سَنَةَ 1301 هـ عَقِبَ احْتِلَالِ الْإِنْكِلِيزِ لِمِصْرَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ 1299 هـ وَكَانَ الْكَاتِبُ لِتِلْكَ الْمَقَالَاتِ الْعَالِيَةِ فِيهَا هُوَ الثَّانِي، وَلَكِنْ بِإِرْشَادِ الْأَوَّلِ وَإِدَارَتِهِ وَسِيَاسَتِهِ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فِي هَذَا الْمَنْهَجِ وَمُرَبِّيهِ عَلَيْهِ.
تَوَجَّهَتْ نَفْسِي بِتَأْثِيرِ " الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " إِلَى الْهِجْرَةِ إِلَى السَّيِّدِ جَمَالٍ وَالتَّلَقِّي عَنْهُ، وَكَانَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْآسِتَانَةَ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِتَرْجَمَتِي وَرَغْبَتِي فِي صُحْبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَصُدُّنِي عَنْهَا إِلَّا إِقَامَتُهُ فِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست