ثم بين الطريق
السوىّ الذي يتبع عند حدوث النزاع وخوف الشقاق فقال :
(وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) هذا الخطاب عام يدخل فيه الزوجان وأقاربهما ، فإن قاموا
بذلك فذاك ، وإلا وجب على من بلغه أمرهما من المسلمين أن يسعى فى إصلاح ذات بينهما
، والخلاف بينهما قد يكون بنشوز المرأة ، وقد يكون بظلم الرجل ، فإن كان بالأول
فعلى الرجل أن يعالجه بأقرب أنواع التأديب التي ذكرت فى الآية التي سلفت ، وإن كان
بالثاني وخيف من تمادى الرجل فى ظلمه أو عجز عن إنزالها عن نشوزها وخيف أن يحول
الشقاق بينهما دون إقامتها لأركان الزوجية الثلاث : من السكون والمودة والرحمة ،
وجب على الزوجين وذوى القربى أن يبعثوا الحكمين ، وعليهم أن يوجهوا إرادتهم إلى
إصلاح ذات البين ، ومتى صدقت الإرادة وصحت العزيمة فالله كفيل بالتوفيق. بفضله
وجوده.
وبهذا تعلم شدة
عناية الله بأحكام نظام الاسر والبيوت ، وكيف لم يذكر مقابل التوفيق وهو التفريق ،
لأنه يبغضه ولأنه يود أن يشعر المسلمين بأنه لا ينبغى أن يقع.
ولكن وأسفا لم
يعمل المسلمون بهذه الوصية الجليلة إلا قليلا حتى دبّ الفساد فى البيوت ، ونخر
فيها سوس العداوة والبغضاء ، ففتك بالأخلاق والآداب ، وسرى من الوالدين إلى
الأولاد.
ثم ذكر أن ما
شرع من الأحكام جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه من حكيم خبير بأحوال عباده فقال :
(إِنَّ اللهَ كانَ
عَلِيماً خَبِيراً) أي إن هذه الأحكام التي شرعت لكم كانت من لدن عليم
بأحوال العباد وأخلاقهم ، خبير بما يقع بينهم وبأسبابه ما ظهر منها وما بطن ، ولا
يخفى عليه شىء من وسائل الإصلاح بينهما.
وفى الآية
إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف وإن ظنّ أنه مستعص