موزعة بين شركاء يحولون بينها وبين الخلوص إليه عز وجل ، والله لا يقبل إلا
ما كان خالصا له.
وبعض الناس ممن
يسمون أنفسهم بالموحدين يفعلون كما يفعل سائر المشركين ، فيدعون حين يشتد الكرب
ويعظم الخطب غير الله وحده أو مع الله ولا يسمون عملهم دعاء ، بل يسمونه توسلا
واستشفاعا ، ويسمون من يدعونهم أولياء وشفعاء ، ولو لم يكن منهم إلا هذا الدعاء
لقضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، لكفى ذلك عبادة وشركا بالله ، وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم «الدعاء هو العبادة» رواه أبو داود: أي إن العبادة جدّ العبادة
إنما تكون فى الدعاء الذي يفيض على اللسان من قرارة النفس حين وقوع الخطب ،
واشتداد الكرب ، وهذا ما تسمعه من أصحاب الحاجات ، عند حدوث الملمات ، وفى هياكل
العبادات ، ولدى قبور الأموات ، فكل ذلك يمثل الخشوع والخضوع ، ويذرف من العين
الدموع «وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ».
وما عدا هذا
الدعاء من العبادات ، جلّه يفعل بالتعليم ، ويكون فى الغالب خاليا من الشعور الذي
به يكون القول أو الفعل عبادة ، إذ هو خال من معنى العبادة وروحها وهو الشعور
بالسلطة الغيبية التي هى وراء الأسباب العادية ، ولا سيما الأدعية التي تكون فى
الصلوات أو فى غير الصلوات ، إذ نرى الحافظ لها يحرك بها لسانه وقلبه مشغول بشواغل
أخرى ، فمثل هذا لا يمثّل العبادة الحقة التي تملأ القلب نورا ، والنفس استسلاما
وخضوعا ، والروح طهارة وزكاء.
(وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي ومن يشرك بالله شيئا فيدعوه معه ويذكر اسمه مع اسمه
، أو يدعوه وحده ملاحظا أنه يقر به إليه زلفى ـ فقد ضل عن القصد ، وبعد عن سبيل
الرشد ضلالا بعيدا فى سبيل الغواية ، لأنه ضلال يفسد العقل ، ويكدّر صفاء الروح
ويجعله يخضع لعبد مثله ، ويخضع أمام مخلوق يحاكيه ؛ ويكون عبدا للخرافات والأوهام.