على أن حل مكة
وما يتبعها من أرباضها للنبى صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار أمر زائد على أمن
البيت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحلّ البيت ساعة ولا مادونها ، بل كان
مناديه ينادى : من دخل المسجد الحرام فهو آمن ، ومن دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ،
ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن.
وقد أخبر أبو
سفيان النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد بن عبادة الأنصاري حامل اللواء له في
الطريق : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ، فقال صلى الله عليه وسلم «كذب
سعد ، هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة»
وما فعله
الحجاج من رمى البيت بالمنجنيق ، فهو فعل السياسة التي قد تحمل صاحبها على مخالفة
ما يعتقد حرمته ، ويقع به في الظلم والإلحاد ، إذ هو وجنده لم يكونوا معتقدين حلّ
ما فعلوا.
(وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أي ويجب الحج على المستطيع من هذه الأمة ، وفي هذا
تعظيم للبيت أيّما تعظيم ، وما زال الناس من عهد إبراهيم إلى عهد محمد صلوات الله
عليهما يحجون البيت عملا بسنة إبراهيم ، جروا على هذا جيلا بعد جيل لم يمنعهم من
ذلك شركهم ولا عبادتهم للأوثان والأصنام ، فهى آية متواترة على نسبة هذا البيت إلى
ابراهيم.
واستطاعة
السبيل إلى الشيء إمكان الوصول إليه كما قال تعالى : «فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ» وقال : «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» وتختلف الاستطاعة باختلاف الأشخاص ، واختلاف البعد عن
البيت والقرب منه ، وكل مكلف أدرى بنفسه في ذلك.
وقد اختلف في
تفسيرها ، فقال بعضهم إنها القدرة على الزاد والراحلة مع أمن الطريق. وقال بعض :
إنها صحة البدن والقدرة على المشي ، وقال آخرون هى صحة البدن وزوال الخوف من عدو
أو سبع مع القدرة على المال الذي يشترى منه الزاد والراحلة ، وقضاء جميع الديون
والودائع ودفع النفقة التي تكفى لمن تجب عليه نفقته حتى العودة من الحج.