ومثلت هند وصواحبها بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجد عن
الأنوف ، وصلمن الآذان ، واتخذن منها قلائد ، وبقرت هند عن كبد حمزة ولا كتها ،
ولم تستسغها ، وضرب أبو سفيان شدق حمزة بزجّ الرمح ، وصعد الجبل ، وصرخ بأعلى صوته
، الحرب سجال يوم بيوم بدر ، اعل هبل (صنم بالكعبة) أي ظهر دينك.
ولما انصرف أبو
سفيان ومن معه نادى : إن موعدكم بدر العام القابل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: قولوا له : هو بيننا وبينكم ، ثم سار المشركون إلى مكة ، وبحث رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن عمه حمزة فوجده مبقور البطن ، مجدوع الأنف ، مصلوم الأذن ، فقال
: لئن أظهرنى الله عليهم لأمثلنّ بثلاثين منهم ، ثم أمر أن يسجّى عمه ببردته ، ثم
صلى عليه ، فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى فوضعهم إلى جانب حمزة واحدا بعد
واحد حتى صلى عليهم ثنتين وسبعين صلاة ، ثم أمر بحمزة فدفن ، واحتمل ناس من
المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا.
إذا علمت ما
تقدم سهل عليك فهم هذه الآيات ، وما بعدها مما له صلة بهذه الوقعة الهامة فى تاريخ
الإسلام ، وما فيها من عظة وعبرة للمسلمين ، فقد كانت نبراسا لهم فى كل حروبهم
وأعمالهم فى حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ـ إذ علموا أن مخالفة القائد
الأعظم لها أسوأ الآثار ، وأن كل ما حدث فيها إنما جر إليه الطمع فى الغنيمة ،
وجمع حطام الدنيا ، وهو ظل زائل وعرض مفارق.
المعنى
الجملي
بعد أن نهى
الله المؤمنين عن اتخاذ بطانة من الأعداء الذين كاشفوهم بالعداوة ، ثم أعلمهم
ببغضهم إياهم ، ثم أمرهم بالصبر والتقوى وأنهم إذا فعلوا ذلك لا يضرهم كيدهم شيئا
ـ ذكّرهم فى هذه الآيات بوقعة أحد ، وما كان فيها من كيد المنافقين ،