وهذا النوع من
الخمر غير النوع الآخر الذي يجرى فى الأنهار الذي أشار إليه سبحانه بقوله : «وَأَنْهارٌ مِنْ
خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ».
ثم رغب فى
العمل لذلك النعيم فقال :
(وَفِي ذلِكَ
فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) أي وفى ذلك النعيم فليتسابق المتسابقون ، وليرغب
الراغبون بالمبادرة إلى طاعة ربهم باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه.
وفى هذا إيماء
إلى أن التنافس يجب أن يكون فى مثل ذلك النعيم العظيم الدائم ، لا فى النعيم الذي
يشوبه الكدر وهو سريع الفناء.
(وَمِزاجُهُ مِنْ
تَسْنِيمٍ) أي ومزاج هذا الرحيق ينصبّ عليهم من الأعالى. وقد سئل
ابن عباس عن هذا فقال : هذا مما قال الله. «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ
قُرَّةِ أَعْيُنٍ».
ثم بين هذا
التسنيم فقال :
(عَيْناً يَشْرَبُ
بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أي أمدح عينا يشرب منها الأبرار الرحيق مزاجا إذا
أرادوا ، وقد وصفهم الله بالمقربين تكريما لهم وزيادة فى مدحهم.
وقد اعتاد أهل
الدنيا إذا شربوا الخمر أن يمزجوها بالماء ونحوه ، فبين لهم أنهم فى الآخرة يشربون
رحيقا قد وصف بما يجعل النفوس تتشوق إليه ، وأنهم يمزجونه بماء تجيئهم به العين
العالية القدر ، إذا شاءوا أن يمزجوه.
وقصارى ما سلف
ـ أنه سبحانه وصف النعيم الذي أعده للأبرار فى دار كرامته بما تتطلع إليه النفوس ،
وبما يشوّقها إليه ، ليكون حضا للذين يعملون الصالحات على الاسترادة من العمل
والاستدامة عليه ، وحثا لهمم المقصرين ، واستنهاضا لعزائمهم أن يحرصوا على التزوّد
منه ليكون لهم مثل ما لأولئك.
إلى ما فيه من
تحزين العصاة المصرّين على عصيانهم ، وبلوغ الغاية فى إيلامهم ، فإن العدو يسوءه
أن يرى عدوه فى نعمة ، أو يسمع أن النعمة تنتظره.