هذه السورة
تضمنت أهمّ الأركان التي قامت عليها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهى توحيد
الله وتنزيهه ، وتقرير الحدود العامة للأعمال ، ببيان الصالحات وما يقابلها ،
وأحوال النفس بعد الموت من البعث وملاقاة الجزاء من ثواب وعقاب ، وقد ورد فى الخبر
: «إنها تعدل ثلث القرآن» لأن من عرف معناها ، وتدبر ما جاء فيها حق التدبر ، علم
أن ما جاء فى الدين من التوحيد والتنزيه تفصيل لما أجمل فيها.
الإيضاح
(قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) أي قل لمن سألك عن صفة ربك : الله هو الواحد المنزه عن
التركيب والتعدّد ، لأن التعدد فى الذات مستلزم لافتقار المجموع إلى تلك الأجزاء
والله لا يفتقر إلى شىء.
(اللهُ الصَّمَدُ) أي هو الله الذي يقصده العباد ويتوجهون إليه ، لقضاء ما
أهمهم دون واسطة إلى شفيع ؛ وبهذا أبطل عقيدة مشركى العرب الذين يعتقدون بالوسائط
والشفعاء ، وعقيدة غيرهم من أهل الأديان الأخرى الذين يعتقدون بأن لرؤسائهم منزلة
عند ربهم ينالون بها التوسط لغيرهم فى نيل مبتغاهم ، فيلجئون إليهم أحياء وأمواتا
، ويقومون عند قبورهم خاضعين خاشعين ، كما يخشعون لله أو أشد خشية.
(لَمْ يَلِدْ) أي تنزه ربنا عن أن يكون له ولد ، وفى هذا ردّ لمزاعم
مشركى العرب الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، ولمزاعم النصارى الذين قالوا :
المسيح ابن الله ، اقرأ إن شئت قوله تعالى : «فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ
وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ؟ أَلا
إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ : وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ».
(وَلَمْ يُولَدْ) لأن ذلك يقتضى مجانسته لسواه ، وسبق العدم قبل الوجود ـ
تنزه ربنا عن ذلك.