ثم بين جزاء
الذين جحدوا رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ
فِيها) أي إن هؤلاء الذين دسّوا أنفسهم بقبيح الشرك واجتراح
المعاصي ، وإنكار الحق الواضح بعد أن عرفوه كما يعرفون أبناءهم ، يجازيهم ربهم
بالعقاب الذي لا يخلصون منه أبدا ، فيدخلهم نارا تلظى جزاء ما كسبت أيديهم ، وجزاء
إعراضهم عما دعا إليه الداعي ، وهدت إليه الفطرة.
ثم حكم عليهم
بحكم آخر فقال :
(أُولئِكَ هُمْ شَرُّ
الْبَرِيَّةِ) أي هم شر الخليقة على الإطلاق ، إذ منكر الحق بعد
معرفته ، وقيام الدليل عليه منكر لعقله ، جالب لنفسه الدمار والوبال.
وبعد أن ذكر
جزاء الجاحدين الكافرين ، أردفه جزاء المؤمنين المخبتين فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي إن الذين سطع نور الدليل فى قلوبهم ، فاهتدوا به
وصدقوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعملوا صالح الأعمال ، فبذلوا النفس
فى سبيل الله وجهاد أعدائه ، وبذلوا نفيس المال فى أعمال البر ، وأحسنوا معاملة
خلقه ، أولئك هم خير الخليقة ، لأنهم بمتابعة الهدى أدّوا حق العقل الذي شرفهم
الله به ، وبعملهم للصالحات حفظوا الفضيلة التي جعلها الله قوام الوجود الإنسانى.
ثم بين ما
سيلقون من جزاء عند ربهم فقال :
(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً) أي هؤلاء يجازيهم ربهم بجنات يقيمون فيها أبدا ، وفيها
من اللذائذ ما هو أكمل وأوفر من لذات الدنيا.
وعلينا أن نؤمن
بالجنة ولا نبحث عن حقيقتها ، ولا أين موضعها ، ولا كيف نتمتع فيها ، فإن علم ذلك
عند ربنا لا يعلمه إلا هو ، فهو من علم الغيب الذي استأثر بعلمه.