صلى الله عليه وسلم فإنه قد ضاق به الأمر فى بادئ أمره قبل النبوة وبعدها
إذ تألب عليه قومه ، لكن ذلك لم يثنه عن عزمه ، ولم يقلل من حدّه ، بل صبر على
مكروههم وألقى بنفسه فى غمرات الدعوة متوكلا على ربه ، محتسبا نفسه عنده ، راضيا
بكل ما يجد فى هذا السبيل من أذى ، ولم تزل هذه حاله حتى قيض الله له أنصارا أشربت
قلوبهم حبه ، وملئت نفوسهم بالرغبة الصادقة فى الدفاع عنه وعن دينه ، ورأوا أن لا حياة
لهم إلا بهدم أركان الشرك والوثنية ، فاشتروا ما عند الله من جزيل الثواب بأرواحهم
وأموالهم وأزواجهم ، ثم كان منهم من فوّض دعائم الأكاسرة ، وأباد جيوش الأباطرة
والقياصرة.
وقصارى ذلك ـ إنه
مهما اشتد العسر ، وكانت النفس حريصة على الخروج منه ، طالبة كشف شدته ، مستعملة
أجمل وسائل الفكر والنظر فى الخلاص منه ، معتصمة بالتوكل على ربها ، فإنها ولا ريب
ستخرج ظافرة مهما أقيم أمامها من عقبات واعترضها من بلايا ومحن وفى هذا عبرة
لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيبدّل حاله من الفقر إلى الغنى ، ومن قلة الأعوان
إلى كثرة الإخوان ، ومن عداوة قومه إلى محبتهم إلى أشباه ذلك.
ثم أعاد
الأسلوب للتوكيد فقال :
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً) إذا احتملت ذلك العزيمة الصادقة ، وعملت بكل ما أوتيت
من قوة على التخلص منه ، وقابلت ما يقع من عسر بالصبر والأخذ بأسباب تفريجه ولم
تستبطئ الفرج ، فيدعوها ذلك إلى التواني ، وفتور العزيمة.
وبعد أن بين
نعمه على رسوله ووعده بتفريج كربه ـ طلب منه أن يقوم بشكر هذه النعم بالانقطاع
لصالح العمل والاتكال عليه دون من عداه فقال :
(فَإِذا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ) أي فإذا فرغت من عمل فاتعب فى مزاولة عمل آخر ، فإنك
ستجد فى المثابرة لذة تقرّبها عينك ويثلج لها صدرك.