(يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ
الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) أي إن الملائكة على جلالة أقدارهم ، ورفيع درجاتهم لا
يستطيعون أن يتكلموا فى هذا اليوم ، إجلالا لربهم ، ووقوفا عند أقدارهم ، إلا إذا
أذن لهم ربهم ، وقالوا قولا صدقا وصوابا.
وفى الآية
دلالة على أنهم مع قربهم من ربهم لا يستطيع أحد منهم أن يشفع لأحد أو يطلب منحة
إلا بعد أن يأذن له ربه ، ولا يأذن إلا لمن علم أنه سيجاب ، لأنه يقول الصواب ،
وإنما يكون الكلام ضربا من التكريم لمن يأذن له ويختص به ، ولا أثر له فيما أراده
البتة.
والملائكة
مخلوقات غيّبها الله عنا ، ولم يجعل لنا قدرة على رؤيتها. فعلينا أن نؤمن بها وإن
لم نرها ، ونصدّق بما جاء فى كتابه من أوصافها غير باحثين عن حقيقتها.
وبعد أن ذكر
أحوال المكلفين فى درجات الثواب والعقاب ، وبيّن عظمة يوم القيامة ـ أردف ذلك بيان
أن هذا اليوم حق لا ريب فيه فقال :
(ذلِكَ الْيَوْمُ
الْحَقُّ) أي ذلك اليوم متحقق لا ريب فيه ولا مفر منه ، وأنه يوم
تبلى فيه السرائر ، وتنكشف فيه الضمائر ، أما أيام الدنيا فأحوال الخلق فيها
مكتوبة ، وضمائرهم غير معلومة.
(فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ
إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي فمن شاء عمل صالحا يقربه من ربه ، ويدنيه من كرامته
وثوابه ، ويباعد بينه وبين عقابه.
ثم زاد فى
تخويف الكفار وإنذارهم فقال :
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ
عَذاباً قَرِيباً) أي إنا نحذركم عذاب يوم القيامة وهو قريب ، لأن كل ما
هو آت قريب كما قال : «كَأَنَّهُمْ
يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها».