شوقه إلى التزوّد منه ، وقد كان يعلم أنه بشر ، لا فضل له على غيره إلا
بهذا القرب الذي يعلو به على من عداه ، وقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على
تكميل نفسه وإعدادها لتحمل ما هى بسبيله من أعباء الرسالة.
لا جرم يكون
حزنه لهذه الفترة شديدا ، وأن يتوجس منه خيفة ، ولا عجب أن يدعوه ذلك إلى التفكير
فيما كان يفكر فيه ، وأن يهمّ بتنفيذه.
ومن ثم نزلت
هذه السورة حاملة له أجمل البشرى ، ملقية فى نفسه الطمأنينة ، معدّدة ما أنعم الله
به عليه ، وكأنه تعالى يقول لرسوله : إن من أنعم عليك بكذا وكذا لم يكن ليتركك ولا
ينساك بعد أن هيأك لحمل أمانته ، وأعدّك للاضطلاع بأعباء رسالته ، فلا تحزن على ما
كان من فترة الوحى عنك ، ولا يكن فى صدرك حرج منها ، فما ذلك إلا لتثبيت قلبك ،
وتقوية نفسك على احتمال مشاقّها.
الإيضاح
(وَالضُّحى.
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) أقسم سبحانه لرسوله بآيتين عظيمتين من آياته فى الكون
ضحى النهار وصدره والليل وظلامه ـ إنه ما تركك وما أبغضك كما يقال لك وما تتوهم فى
نفسك.
ثم ذكر له ما
يثلج صدره ، وما فيه كمال الطمأنينة والبشرى فقال :
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى) أي وإن أحوالك فى مستأنف حياتك خير لك مما مضى منها ،
وأن كل يوم ستزداد عزّ ، إلى عزّ ، وسيرتفع شأنك كل يوم عما قبله ، وسأمنحك كل آن
جلالا فوق جلالك ، ورفعة فوق رفعتك ؛ وكأنه يقول له لا تظنّن أنى كرهتك أو تركتك ،
بل أنت عندى اليوم أشد تمكينا وأقرب اتصالا.
ولقد صدق الله
وعده ، فما زال يسمو بنبيه ، ويرفع درجته يوما بعد يوم حتى بلغ الغاية التي لم
يبلغها أحد قبله ، فجعله رسول الرحمة والهداية والنور إلى جميع خلقه ،