ابتلاه : أي
اختبره ببسط الرزق وإقتاره ، فأكرمه : أي صيره مكرما يرفل فى بحبوحة النعيم ، قدر
عليه رزقه : أي صيره فقيرا مقترا عليه فى الرزق ، تقول قدرت عليه الشيء : أي ضيقته
عليه ، وكأنك جعلته بقدر لا يتجاوزه كما قال : «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ
مِمَّا آتاهُ اللهُ».
المعنى
الجملي
بعد أن ذكر
سبحانه أنه لا يفوته من شأن عباده شىء. وأنه يأخذ كل مذنب بذنبه ـ أردف ذلك ذكر
شأن من شئون الإنسان ، وبين أنه لا يهتم إلا بأمور الدنيا وشهواتها ، فإذا أنعم
الله عليه وأوسع له فى الرزق ظن أنه قد اصطفاه ورفعه على من سواه وجنبه منازل
العقوبة ، فيذهب مع هواه ويفعل ما يشتهى ، ولا يبالى أكان ما يصنع خيرا أم شرا ،
فيطغى ويفسد فى الأرض ، وإذا ضيق عليه الرزق (وقد يكون ذلك لتمحيص قلبه بالإخلاص
أو لتظهر قوة صبره ، فإن الفقر لا يزيد ذوى العزائم إلا شكرا) يقول ربى قد أهاننى
، ومن أهانه الله وصغرت قيمته لديه لم يكن له عناية بعمله ، فكيف يؤاخذه بما يصدر
منه من شر ، أو يكافئه على ما يصنع من خير ، فلا شكره يكافأ بإحسان ، ولا كفره
يجازى بعقوبة ، فينطلق يكسب عيشه بأى وسيلة عنّت له ، ولا تحجزه شريعة ، ولا يقف
أمام قانون ، ويسلك سبيل الجبارين ، ويبخس الحقوق ، ويفسد نظم المجتمع ، ولا تزال
أحوال الناس هكذا كما وصف الله ؛ فأرباب السلطان يظنون أنهم فى أمن من عقاب ربهم
ولا يذكرونه إلا بألسنتهم ، ولا يعرف له سلطان على قلوبهم ، والفقراء الأذلاء صغرت
نفوسهم عند أنفسهم ، لا يبالون ماذا يفعلون؟