وعظك إلا تماديا فى الجحود والإنكار «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» حرصا على إيمانهم ، وحزنا على بقائهم على كفرهم ، وادع
من تعلم أنه يجيبك ولا يحبهك ولا يؤذيك ؛ وإلى ذلك أشار بقوله :
(سَيَذَّكَّرُ مَنْ
يَخْشى) أي إنما ينتفع بتذكيرك من يخشى الله ويخاف عقابه ، لأنه
هو الذي يتأمل فى كل ما تذكره له ، فيتبين له وجه الصواب ، ويظهر له سبيل الحق
الذي يجب المعوّل عليه.
وفى التعبير
بقوله (سَيَذَّكَّرُ) إيماء إلى أن ما جاء به الرسول بلغ حدّا من الوضوح لا
يحتاج معه إلا إلى التذكير فحسب ، وإنما الذي يحول بينهم وبين اتباعه واقتفاء
آثاره ـ تقليد الآباء والأجداد فكأنهم عرفوه واستيقنوا صحته ، ثم زالت هذه المعرفة
بانتهاجهم خطة آبائهم من قبل.
ثم أشار إلى
عدم جدواها بالنظر للمعاندين الجاحدين فقال :
(وَيَتَجَنَّبُهَا
الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) أي ويبتعد عن هذه التذكرة المعاند المصرّ على الجحود
عنادا واستكبارا ، وهو الذي يذوق حر النار الكبرى فى دركات جهنم كما قال : «إِنَّ الْمُنافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» إذ لا يليق بحكمة الحكيم المتعالي أن يسوّى بين من
اجترأ عليه وتهاون بأمره وارتكب أشنع الذنوب ومن كان نقىّ الصحيفة ميمون النقيبة ،
مطيعا لأمره ، مؤديا فرائضه منتهيا عن الفحشاء والمنكر.
وقصارى ما سلف
ـ إن الناس بالنظر إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أقسام ثلاثة :
(١) عارف صحتها
، موقن بصدقها ، لا يدور بخلده تردّد ولا شكّ ، وهذا هو المؤمن الكامل الذي يخشى
ربه.
(٢) متردد
متوقف إلى أن يقوم لديه البرهان ، فإذا هو سنح له بادر إلى التصديق بها ، وهذا
أدنى من سابقه.