وثبتوا على كفرهم وعنادهم ولم يتوبوا حتى أخذهم الموت ـ أعدّ الله لهم
عذابا فى جهنم بالحريق.
وقد كان
الضالون من كل أمة يؤذون أهل الحق والدعاة إليه ، حرصا على ما ألفوا من الباطل ،
وتشيعا لما وجدوا عليه أنفسهم وآباءهم الأقربين ، على غير بصيرة ، ولا استشارة
للعقل السليم ، ولا يزال هذا شأنهم إلى يوم الدين.
أنظر إلى أصحاب
الأخدود تجدهم قد عرضوا المؤمنين على النار وأحرقوهم بها ، وإلى كفار قريش ترهم قد
فتنوا المؤمنين بالكثير من الإيذاء ، فعذبوا آل ياسر بفنون من العذاب ، وعذبوا
بلالا بما لا يحصى من ضروب الأذى ، وفعلوا مثل هذا بكثير من أكابر المؤمنين ، حتى
لقد آذوا الرسول الأكرم وألحقوا به كثيرا من العنت والأذى ، فرموه بالحجارة حتى
أدموه ، بل فعلوا معه أكثر من هذا فخرجوا بخيلهم ورجلهم يقاتلونه وأصحابه ،
ويتمنون لو يتمكنون منه ليقتلوه ، ولكن الله منعه منهم : «وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا
أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ».
وفى قوله : «ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا» إيماء إلى أنهم لو تابوا قبل موتهم غفر الله لهم ما
قدّموا قبل التوبة من ذنب.
وبعد أن ذكر ما
أعد لأعدائه من النكال والعذاب الأليم ـ أرشد إلى ما يكون لأوليائه من النعيم
المقيم ، ليكون ذلك أنكى للأعداء ، وأشد فى غيظهم ، وأبعث للأسى والحزن فى نفوسهم
فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) أي إن الذين أقروا بوحدانية الله وعملوا صالح الأعمال
ائتمارا بأوامره وكفوا عن نواهيه ابتغاء رضوانه ـ لهم بساتين تجرى من تحت أشجارها
الأنهار ، وهذا هو الظفر الكبير لهم ، كفاء ما قدموا من إيمان وطاعة لربهم.