ثم أخبر رسوله
بأن الكافرين ينظرون إليه شذرا حين يسمعون منه القرآن ، ويقولون حسدا على ما آتاه
من النبوة : «إِنَّكَ
لَمَجْنُونٌ» تنفيرا منه ومن دعوته ، وما القرآن إلا عظة للجن والإنس جميعا ، لا
يفهمها إلا من كان أهلا لها.
الإيضاح
(فَذَرْنِي وَمَنْ
يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي كل أيها الرسول أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلىّ ،
ولا تشغل قلبك بشأنهم فأنا أكفيك أمرهم ، وهذا كما يقول القائل لمن يتوعد رجلا :
دعنى وإياه ، وخلّنى وإياه ، فأنا أعلم بمساءته والانتقام منه.
وفى هذا تسلية
لرسوله وتهديد للمشركين كما لا يخفى.
وخلاصة ذلك ـ حسبك
انتقاما منهم أن تكل أمرهم إلىّ وتخلّى بينى وبينهم.
ثم بيّن كيف
يكون ذلك التعذيب المستفاد إجمالا من الكلام السابق فقال :
(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ
مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أي سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإمهال وإدامة الصحة
وازدياد النعمة من حيث لا يعلمون أنه استدراج ، بل يزعمون أنه إيثار وتفضيل لهم
على المؤمنين ، مع أنه سبب فى هلاكهم فى العاقبة.
(وَأُمْلِي لَهُمْ
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي وأؤخرهم وأنسئ فى آجالهم ملاوة من الزمان على كفرهم
وتمردهم علىّ لتتكامل حججى عليهم ، وإن كيدى لأهل الكفر لقوى شديد.
وسمى سبحانه
إحسانه إليهم كيدا «والكيد ضرب من الاحتيال» لكونه فى صورته ، من قبل أنه تعالى
يفعل بهم ما هو نفع لهم ظاهرا وهو يريد بهم الضرر ،