بعد أن ذكر
سبحانه فيما سلف أن ذا المال والبنين كفر وعصى وتمرد لما آتاه الله من النعم ـ أردف
هذا ببيان أن ما أوتيه إنما كان ابتلاء وامتحانا ليرى أيصرف ذلك فى طاعة الله
وشكره ، فيزيد له فى النعمة ، أم يكفر بها فيقطعها عنه ، ويصب عليه ألوان البلاء
والعذاب؟ كما أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذا القدر اليسير من المعاصي دمّر الله
جنتهم ، فما بالك بمن حادّ الله ورسوله وأصر على الكفر والمعصية.
روى أن هذه
الجنة كانت على فرسخين من صنعاء بأرض اليمن لرجل صالح وكان يترك للمساكين ما أخطأه
المنجل ، وما فى أسفل الأكداس ، وما أخطأه القطاف من العنب ، وما بقي على البساط
تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم من ذلك شىء كثير ، فلما مات الرجل قال بنوه
إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ، ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنّها
وقت الصباح خفية عن المساكين فجازاهم الله بما يستحقون وأحرق جنتهم ، ولم يبق منها
شيئا.
الإيضاح
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ
كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي إنا امتحنا كفار مكة بما تظاهر عليهم من النعم
والآلاء ، وما رحمناهم به من واسع العطاء ، لنرى حالهم ، أيشكرون هذه النعم ويؤدون
حقها ، وينيبون إلى ربهم ، ويتبعون الداعي لهم إلى سبيل الرشاد وهو الرسول صلى
الله عليه وسلم الذي بعثناه لهم هاديا وبشيرا ونذيرا ، أم يكفرون به ويكذبونه ،
فيجحدون حق الله عليهم ، فيبتليهم بعذاب من عنده ويبيد تلك النعم جزاء كفرانهم
وجحودهم ، كما اختبرنا أصحاب ذلك البستان الذين منعوا حق الله فيه ، وعزموا على
ألا يؤدوا زكاته لبائس ولا فقير ، فحق عليهم من الجزاء ما هم له أهل ، ودمره شر
التدمير.