بعد أن حذر
الكافرين وخوّفهم بأن يوم الفصل كائن لا محالة ، وأقسم لهم بملائكته المقربين
ورسله الطاهرين بأنه يوم سيكون ، وأن فيه من الأهوال ما لا يدرك كنهه إلا علّام
الغيوب ـ أردف ذلك بتخويفهم بأنه أهلك الكفار قبلهم بكفرهم فإذا سلكتم سبيلهم
فستكون عاقبتكم كعاقبتهم ، وستعذبون فى الدنيا والآخرة ، ثم أعقبه بتخويفهم بنكران
إحسانه إليهم ، فإنه قد خلقهم من ماء مهين فى قرار مكين إلى زمن معلوم ، ثم أنشأهم
خلقا آخر ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، ليشكروا نعم الله عليهم ، فكفروا
بها وأنكروا وحدانيته وعبدوا الأصنام والأوثان ، ثم ذكرهم بنعمه فى الآفاق ؛ إذ
خلق لهم الأرض وجعلها تضمهم أحياء وأمواتا ، وجعل فيها الجبال لئلا تميد بهم وجعل
فيها الأنهار والعيون ، ليشربوا منها ماء عذبا زلالا ، فويل لمن كفر بهذه النعم
العظام.
الإيضاح
(أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ؟) أي ألم نهلك من كذب الرسل قبلكم ، ونعذبهم فى الدنيا
بشتى أنواع العذاب ، فتارة بالغرق كما حدث لقوم نوح ، وأخرى بالزلزال كما كان لقوم
لوط إلى أشباه ذلك من المثلاث التي حلت بالأمم قبلكم ، جزاء لهم على قبيح أعمالهم
وسيئ أفعالهم ، وإن سنننا فى المكذبين لا تبديل فيها ولا تغيير ، فاحذروا أن يحل
بكم مثل ما حل بهم ، وتندموا ، ولات ساعة مندم.
(ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ
الْآخِرِينَ) أي ثم نحن نفعل بأمثالهم من الآخرين ، ونسلك بهم سبيلهم
لأنهم فعلوا مثل أفعالهم.