كفروا بالله وعبدوا الطاغوت : أيها القوم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون
الله من الآلهة والأنداد.
ثم فسر هذه
البراءة بقوله :
(كَفَرْنا بِكُمْ) أي جحدنا ما أنتم عليه من الكفر ، وأنكرنا عبادتكم ما
تعبدون من دون الله ، فلا نعتدّ بكم ولا بآلهتكم ، فإن ما أنتم عليه لا تقره
العقول الراجحة ، ولا الأحلام الحصيفة ؛ فما قيمة الأحجار والأصنام التي تتخذونها
معبودات ترجون منها النفع والضر «إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا
لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ».
(وَبَدا بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ
وَحْدَهُ) أي وها نحن أولاء قد أعلنّا الحرب عليكم ، فلا هوادة
بيننا وبينكم ، وسيكون هذا دأبنا معكم ، لا نترككم بحال حتى تتركوا ما أنتم عليه
من الشرك ، فتنقلب العداوة ولاية ، والبغضاء محبة.
(إِلَّا قَوْلَ
إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي لكم فى إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا فى
استغفار إبراهيم لأبيه ، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبين له أنه
عدوّا لله تبرأ منه.
وقد كان بعض
المؤمنين يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون : إن إبراهيم
كان يستغفر لأبيه فأنزل الله عز وجل : «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ، وَما كانَ اسْتِغْفارُ
إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ؛ فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، إِنَّ إِبْراهِيمَ
لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ».
والخلاصة ـ لا
تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة وتستغفروا لهم ، كما فعل إبراهيم لأبيه ، لأنه إنما
استغفر له قبل أن يتبين له أنه عدو لله ، فلما مات على الكفر تبين