بما عملوا : أي
بالعقاب على عملهم ، بالحسنى : أي بالمثوبة الحسنى وهى الجنة ، كبائر الإثم : ما
يكبر عقابه كالزنا وشرب الخمر ، والفواحش : واحدها فاحشة وهى ما عظم قبحها من
الكبائر ، واللمم : ما صغر من الذنوب كالنظرة والقبلة ، وهو فى اللغة اسم لما قلّ
قدره ومنه لمّة الشعر ، وقيل اللمم : الدنو من الشيء دون ارتكابه من قولهم ألممت
بكذا : أي قاربت منه ، وعليه فالمراد به الهمّ بالذنب وحديث النفس دون حدوث فعل ،
ومن ثم قال سعيد بن المسيّب : هو ما خطر على القلب ، والأجنة : واحدها جنين ، وهو
الولد ما دام فى البطن.
المعنى
الجملي
بعد أن أمر
سبحانه رسوله بالإعراض عن المشركين مع شدة ميله إلى إيمانهم ، وتطلعه إلى هدايتهم
، وتعلقه بصلاحهم وإرشادهم وهم قومه وعشيرته ، وأبان له أن هؤلاء قوم انصرفوا عن
النظر إلى الحق ، ووجهوا همّهم إلى زخرف الدنيا ، وأن منتهى علمهم التصرف فى
شئونها ، فهى قبلتهم التي إليها يحجون ، ومطمح أنظارهم الذي إليه يرنون ، وذكر أنه
هو العليم باستعدادهم ، وأنهم قوم ضالون لا يصل الحق إلى شغاف قلوبهم ، ولا
يلتفتون إليه بعيونهم.
ذكر هنا أنه لا
يهملهم ، بل سيجزيهم بسوء صنيعهم ، وهو العليم بما فى السموات والأرض ، فلا يترك
عباده هملا ، بل يجازيهم بعدله ، فيثيب المحسن بالجنة ، ويعاقب المسيء على سوء
صنيعهم بما هو أهله ، ثم أردف ذلك ذكر أوصاف المحسنين وأنهم هم الذين يجتنبون
كبائر الإثم والفواحش ، ولا يقع منهم إلا اللمم من صغائر الذنوب الفينة بعد الفينة
، ويتوبون منه ولا يصرّون عليه ، ثم حذّر عباده بأنه لا تخفى عليه خافية من أمورهم
من حين أن كانوا أجنة فى بطون أمهاتهم إلى أن يموتوا ، فيعلم المطيع من المعاصي ،
فلا حاجة للعبد إذا إلى مدح نفسه بفعل الطاعات ، واجتناب السيئات.