مما التزموه حق القيام ، بل ضيّعوها ، وكفروا بدين عيسى بن مريم ، فضموا
إليه التثليث ودخلوا فى دين الملوك الذين غيروا وبدلوا.
وفى هذا ذم لهم
من وجهين :
(١) أنهم
ابتدعوا فى دين الله ما لم يأمر به.
(٢) أنهم لم
يقوموا بما فرضوه على أنفسهم مما زعموا أنه قربة يقرّبهم إلى ربهم ، وقد كان ذلك
كالنذر الذي يجب رعايته ، والعهد الذي يجب الوفاء به.
روى ابن أبى
حاتم عن ابن مسعود قال : «قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا ابن مسعود ،
قلت : لبّيك يا رسول الله ، قال : اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقة ، نجا
منهم ثلاث وهلك سائرهم ، فرقة من الثلاث وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين
عيسى بن مريم صلوات الله عليه فقتلتهم الملوك ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة
الملوك فأقاموا بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى بن مريم صلوات
الله عليه ، فقتلتهم الملوك بالمناشير ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا
بالمقام بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى صلوات الله عليه ،
فلحقوا بالبراري والجبال فترهبوا فيها فهو قول الله عز وجل «وَرَهْبانِيَّةً
ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ» الآية ، فمن آمن بي واتبعنى وصدقنى فقد رعاها حق
رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الفاسقون».
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فآتينا الذين آمنوا منهم إيمانا صحيحا طبعت آثاره فى
أعمالهم ، فزكّوا أنفسهم ، وأخبتوا لربهم ، وأدّوا فرائضه ـ أجورهم التي استحقوها
كفاء ما عملوا ، وكثير منهم فسقوا عن أمر الله ، واجترحوا الشرور والآثام ، وظهر
فسادهم فى البر والبحر بما كسبت أيديهم ، فكبكبوا فى النار ، وباءوا بغضب من الله
، ولهم عذاب عظيم