قفىّ على ذلك بأن ذكر أن قومه ليسوا بدعا فى الأمم ، فكما كذبت قريش نبيها
فعلت الأمم التي كذبت رسلها ، فأحل الله بهم نقمته كقوم نوح وعاد وثمود ، ثم عجّب
من حالهم وقال : أتواصى بعضهم مع بعض بذلك؟ ثم قال : لا بل هم قوم طغاة متعدّون
حدود الله ، لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون بنهيه ، ثم أمر رسوله أن يعرض عن جدلهم
ومرائهم ، فإنه قد بلّغ ما أمر به ولم يقصّر فيه ، فلا يلام على ذلك ، وأن يذكّر
من تنفعه الذكرى ولديه استعداد لقبول الإرشاد والهداية ، ثم أردف هذا أن ذكر أنه
ما خلق الجن والإنس إلا ليأمرهم ويكلفهم بعبادته ، لا لاحتياجه إليهم فى تحصيل رزق
ولا إحضار طعام ، فالله هو الرزاق ذو القوة. ثم ختم السورة بتهديد أهل مكة بأنه
سيصيبهم من العذاب مثل ما أصاب من قبلهم من الأمم السالفة ، فأولى لهم ألا
يستعجلوه بقولهم : «مَتى
هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»
، فقد حقت عليهم كلمة
ربك فى اليوم الذي يوعدون ، وسيقع عليهم من العذاب ما لا مردّ له ، ولا يجدون له
دافعا.
الإيضاح
(كَذلِكَ ما أَتَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي كما كذبك قومك من قريش وقالوا ساحر أو مجنون ـ فعلت
الأمم التي كذبت رسلها من قبلهم وقالوا مثل مقالتهم ، فهم ليسوا ببدع فى الأمم ،
ولا أنت ببدع فى الرسل ، فكلهم قد كذّبوا وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله.
وفى هذا تسلية
لرسوله صلّى الله عليه وسلّم على احتمال الأذى والإعراض عن جدلهم ، فإنهم قد
أبطرتهم النعمة وغرّهم الإمهال ، فلا تجدى فيهم العظة ولا تنفعهم الذكرى.
ثم تعجب من
إجماعهم على إنكار نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فقال :