بعد أن عدد
سبحانه كثيرا من النعم وكان بعضها يحتاج إلى زيادة إيضاح وبيان كخلق الإنسان ،
وحساب الشمس والقمر ، وأسباب نمو الزرع والشجر ـ فصل أحوالها على الترتيب السابق.
الإيضاح
(خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) أي خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام من طين يابس
له صلصلة إذا نقر ، وهو كالخزف المطبوخ فى صلابته.
إيضاح هذا أن
الطين المطبوخ مركب من الطين والحرارة التي أنضجته وسوّته لتحفظ كيانه ؛ وهكذا
الإنسان له شهوة الطعام والشراب والتزاوج ، لتبقى بنيته وتدوم حياته بالمادة
الأرضية التي اجتذبها النبات من الأرض ، وله قوة غضبية تورثه الشجاعة والقوة ،
ليحافظ على بقائه وحياته ، ويمنع عن نفسه عاديات الكواسر ، ومهاجمات الجيوش
والأعداء المحيطة به من كل جانب ، وهذه القوة فى الإنسان تقابل طبخ الطعام ليصير
فخارا ، فتتماسك أجزاؤه ، ولولاها لما استطاع المحافظة على هيكله المنصوب ، وجسمه
المحبوب ، من الكواسر وأهل القسوة من بنى الإنسان ، ولأصبح قتيلا فى الفلوات تأكله
الطير ، أو تهوى بأجزائه الريح فى مكان سحيق ، كما أن الطين إذا لم يطبخ يتفتت
وتذروه الرياح أو يذوب فى أجزاء الأرض.
وقد جاء فى
الكتاب الكريم عبارات مختلفة فى خلق الإنسان باعتبار مراتب الخلق ، فمرة قال إنه
خلقه من تراب وأخرى قال إنه من طين لازب : أي لاصق باليد لما اختلط به من الماء ،
وهنا قال من صلصال.