وبعد أن نفى
المهرب مما قدّر نفى النصير والمعين الذي يمنع حلول المقدور فقال :
(وَما لَكُمْ مِنْ
دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي وما لكم من دون الله ولىّ يليكم بالدفاع عنكم إذا
أراد عقوبتكم على معصيتكم ، ولا لكم نصير ينصركم إذا هو عاقبكم ، فينتصر لكم ،
فاحذروا معاصيه واتقوا مخالفة أوامره ، فإنه لا دافع لعقوبته إذا أحلها بعبد من
عباده.
ثم ذكر سبحانه
آية أخرى من آيات عظمته الدالة على توحيده وصدق ما وعد به فقال :
(وَمِنْ آياتِهِ
الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) أي ومن دلائل قدرته ، وباهر حكمته ، وعظيم سلطانه ـ تسخيره
البحر لتجرى فيه الفلك بأمره كالجبال الشاهقة ، والمدن العالية.
(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ
الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) أي إن يشأ الله الذي قد أجرى هذه السفن فى البحر ألا
تجرى فيه. أسكن الريح التي تجرى بها ، فتثبت فى موضع واحد وتقف على ظهر الماء لا
تتقدم ولا تتأخر.
ثم أتى بجملة
معترضة بين ما مضى وما سيأتى فقال :
(إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن فى جرى هذه الجواري فى البحر بقدرته تعالى ـ لحجة
بينة على قدرته على ما يشاء ، لكل ذى صبر على طاعته ، شكور لنعمه وأياديه عنده.
والمؤمن إذا
كان فى ضراء كان من الصابرين ، وإذا كان فى سرّاء كان من الشاكرين ، وقال عون بن
عبد الله : فكم من منعم عليه غير شاكر ، وكم من مبتلى غير صابر ، وقال قطرب : نعم
العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر ، وإذا ابتلى صبر. وقد قيل : الإيمان نصفه
صبر ونصفه شكر.
(أَوْ يُوبِقْهُنَّ
بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيغرق السفن بذنوب
راكبيها ، ولكنه يعفو عن كثير من ذنوبهم ، ولو آخذهم بجميع ما يجترحون منها لأهلك
كل من ركب البحر ..