يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف ، ومن يعمل
للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد ، وليس له فى الآخرة نصيب من نعيمها ، ثم أعقب
هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين ، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار
البعث إلى نحو ذلك ، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك ، لكنه
أجّله لما سبق فى علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم ، ثم ذكر مآل كل من الكافرين
والمؤمنين يوم القيامة ، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا ، والآخرون
مترفون منعّمون.
الإيضاح
(اللهُ لَطِيفٌ
بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي إنه برّ تعالى برّ بعباده يرسل إليهم أعظم المنافع ،
ويدفع عنهم أكبر البلاء ، فيرزق البرّ والفاجر ، لا ينسى أحدا منهم ، ويوسع الرزق
حلى من يشاء منهم ، ويقتّره على من يشاء ، ليمتحن الغنى بالفقير والفقير بالغنى ،
وليحتاج مضر إلى بعض كما قال : «لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا».
(وَهُوَ الْقَوِيُّ
الْعَزِيزُ) أي وهو القادر على ما يشاء ، العزيز الذي لا يقدر أحد
أن يمنعه عن شىء مما يريده.
وبعد أن أبان
أن الرزق ليس إلا فى يده أتبعه بما يزهّد فى التكالب على طلب رزق البدن ، ويرغّب
فى الجد فى طلب رزق الروح والسعى فى رفع منزلتها عند ربها ليرضى عنها فقال :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الآخرة نوفقه لصالح
الأعمال ونجزه بالحسنة عشر أمثالها إلى ما شاء الله.