(وَما كانَ لَهُ
عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ
هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ) أي وما كان لإبليس على هؤلاء القوم من حجة يضلهم بها ،
ولكنا أردنا ابتلاءهم واختبارهم ليظهر حال من يؤمن بالآخرة ويصدق بالثواب والعقاب
ممن هو منها فى شك ، فلا يوقن بمعاد ، ولا يصدق بثواب ولا عقاب.
قال الحسن
البصري : والله ما ضربهم بعصا ، ولا أكرههم على شىء ، وما كان إلا غرورا وأمانىّ
دعاهم إليها فأجابوه.
وخلاصة ذلك :
لا سلطان لإبليس على قلوب الناس ، ولكنى أسلطه عليهم كما أسلط الذباب على العيون
القذرة ، والأوبئة على البلاد التي لم يراع أهلها شروط النظافة في مساكنهم وملابسهم
ومآكلهم ، ولا أفعل ذلك إلا لحكمة ، فإذا حل الوباء بأرض مات من لا قدرة له على
مقاومة جراثيم الأمراض وبقي من هو قادر على المقاومة ولديه قوة المناعة ، وهكذا
وسوسة الشيطان يفرق الله بها بين الثابت العقيدة والمتزلزلها ، ومن انقاد لها فلا
يلومنّ إلا نفسه وهو المذنب وحده ، وهكذا جميع حوادث الدنيا من مصايب وآلام يثبت
لها ذوو العزيمة الصادقة ، ولا يضطرب حين حلولها إلا الضعيف الذي ليس له جلد ولا
صبر.
(وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي وربك أيها الرسول حفيظ على أعمال هؤلاء الكفار
وغيرهم ، لا يعزب عن علمه شىء ، وهو يجازيهم جميعا يوم القيامة بما كسبوا فى
الدنيا من خير أو شر ، فمن أخبت لله وأناب إليه لاقى من الثواب مالا عين رأت ولا
أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ومن دسّى نفسه الأمارة بالسوء وانهمك فى شهواته
لاقى من سوء الجزاء كفاء أعماله نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى.