عدّد سبحانه ما
أنعم به على سليمان عليه السلام وهو أمور :
(١) (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ
وَرَواحُها شَهْرٌ) أي وسخرنا لسليمان الريح تجرى بالغداة إلى منتصف النهار
مسيرة شهر ، وتجرى بالرواح من منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر قال قتادة تفسيرا
للآية : كانت الريح تقطع به عليه السلام من الغدو إلى الزوال مسيرة شهر ومن الزوال
إلى الغروب مسيرة شهر. وقال الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل
بإصطخر يتغذى بها ، ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل وبين دمشق وإصطخر شهر كامل
للمسرع ، وبين إصطخر وكابل شهر كذلك.
(٢) (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي وأذبنا له النحاس كما ألنا الحديد لداود ، فكان يعمل
منه أعماله وهو بارد دون حاجة إلى نار ، وقد سال من معدنه فنبع نبوع الماء من
الينبوع فلذلك سماه عينا.
(٣) (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ
بِإِذْنِ رَبِّهِ ، وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ
السَّعِيرِ) أي وسخرنا له من الجن من يبنى له الأبنية وغيرها بقدرة
ربه وتسخيره ، ومن يخرج منهم عن طاعته يذقه عذابا أليما في الدنيا.
وإنا لنوقن
بصدق ما جاء به القرآن من استخدام سليمان للجن ولا نعلم كيف كان يستخدمهم في
أعماله ، ولكن نشاهد آثار استخدامه لهم من المبانى الشاهقة ، والقصور العظيمة ،
والتماثيل البديعة التي فصلها سبحانه بقوله :
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما
يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي يعملون له ما يشاء من القصور الشامخة ، والصور
المختلفة ، من النحاس والزجاج والرخام ونحوها ، والجفان الكبيرة التي تكفى لعشرات
الناس ، قال الأعشى يمدح آل جفنة من الغساسنة بالشام.