(فَتابَ عَلَيْكُمْ
وَعَفا عَنْكُمْ) أي فقبل توبتكم وعفا عن خيانتكم أنفسكم ، إذ خالفتم ما
كنتم تعتقدون حين فهمتم من قوله : «كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» تحريم ملامسة النساء ليلا ، أو تحريمها بعد النوم
كتحريم الأكل والشرب.
(فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي فالآن إذ أحلّ لكم الرفث إليهنّ بالنصّ الصريح ،
باشروهن واطلبوا بتلك المباشرة ما قدر لهذا الجنس بمقتضى الفطرة من جعل المباشرة
سببا للنسل ، ولإحصان كل منهما الآخر وصده عن الحرام ، ومن ثم قال صلى الله عليه
وسلم للفقراء «وفي بضع أحدكم صدقة ، فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته
ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وزر؟ قالوا بلى ، قال
: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ) أي ويباح لكم الأكل والشرب والمباشرة عامة الليل ، حتى
يظهر بياض النهار من سواد الليل ، ويتبين بطلوع الفجر الصادق.
واستدل الأئمة
بالآية على صحة صوم من أصبح جنبا ، لأن المباشرة أبيحت إلى طلوع الفجر ، والصائم
لا يمكنه الاغتسال إلا بعده ، وعلى أنه إذا طلع الفجر وهو يأكل أو يشرب فنزع تم
صومه ، وعلى أنه لو أكل ظانّا أن الفجر لم يطلع صحّ صومه.
وبعد أن ذكر
مبدأ الصيام في الجملة السابقة ذكر غايته فقال :
(ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي ثم استمروا في صيامكم إلى ابتداء الليل بغروب قرص
الشمس وما يلزمه من ذهاب شعاعها عن جدران البيوت والمآذن ، ويتلو ذلك إقبال الليل
، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أدبر النهار وأقبل الليل وغابت الشمس فقد أفطر
الصائم».
ثم استثنى من
عموم إباحة المباشرة التي تفهم من قوله : «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ
إِلى نِسائِكُمْ» منع المباشرة حين الاعتكاف كما أشار إلى ذلك بقوله :
(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) أي ولا تباشروا النساء حال عكوفكم