طلبوا القصاص حتى لا تحملهم الضغينة على الانتقام بأيديهم إذا قدروا. ،
فيكثر الاعتداء ويعيشون في تباغض وفوضى تستباح فيها الدماء.
(فَاتِّباعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) أي فاتباع العفو بالمعروف واجب على العافي وغيره ،
وعليه ألا يرهق القاتل من أمره عسرا ، بل يطلب منه الدية بالرفق والمعروف الذي لا
يستنكره الناس ، وكذلك لا يمطل القاتل ولا ينقص ولا يسىء في كيفية الأداء ، ويجوز
العفو عن الدية أيضا كما قال : «ودية مسلّمة إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا».
(ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) أي ذلك الحكم الذي شرعناه لكم من العفو عن القاتل
والاكتفاء بقدر من المال ، تخفيف ورخصة من ربكم ورحمة لكم ، وأي رحمة أفضل من
العطف والعفو والامتناع عن سفك الدماء.
(فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ
ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي فمن اعتدى وانتقم من القاتل بعد العفو والرضى بالدية
، فله عذاب أليم من ربه يوم القيامة ، يوم لا تغنى نفس عن نفس شيئا.
وبعد أن ذكر
حكمة العفو والرغبة فيه ، وذكر الوعيد على الغدر ، أرشد إلى بيان الحكمة في القصاص
، إذ أن ذلك أدعى إلى ثبات الحكم في النفس ، وأدعى إلى الرغبة فى العمل به فقال :
(وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ) أي إن في القصاص الحياة الهنيئة ، وصيانة الناس من
اعتداء بعضهم على بعض ، إذ من علم أنه إذا قتل نفسا يقتل بها ، يرتدع عن القتل
فيحفظ حياة من أراد قتله وحياة نفسه ، والاكتفاء بالدية لا يردع كل أحد عن سفك دم
خصمه إن استطاع ، إذ من الناس من يبذل المال الكثير للإيقاع بعدوه.
وقد أثر عن
العرب كلمات تفيد معنى الآية كقولهم : القتل أنفى للقتل ، وقولهم : قتل البعض
إحياء للجميع ، وقولهم : أكثروا القتل ليقلّ القتل ، ولكن الآية أخصر