بل قد يكون في قتل القاتل مفاسد ومضارّ ، وإن كان القاتل أجنبيا من المقتول
فيكون من الخير لوليّه عدم قتله دفعا للضرر أو استفادة للدية ، ففى أمثال هذه
الحالات يجوز لأولياء المقتول العفو مع أخذ الدية أو تركها.
وإذا ارتقت
عاطفة الرحمة لدى شعب أو بلد وصار يستنكر القتل ويرى أن العفو أفضل ، فالأمر موكول
إليهم والشريعة ترغبهم فيه ، وهذا هو الإصلاح الكامل الذي جاء به الكتاب الكريم في
القصاص.
وقد يجول بخاطر
بعض الناس ولا سيما في عصرنا الحاضر ، أن عقوبة القاتل بالقتل انتقام لا تربية ،
والواجب أن تعلّم الحكومة الجمهور التراحم في العقوبات ، لأنهم ما ارتكبوا هذه
الجريمة إلا لمرض في عقولهم ، فيجب أن يوضعوا في المستشفيات حتى يبرءوا إلى كلام
كثير كهذا وأشباهه ، ولو أنا دققنا النظر وتأملنا لعلمنا أن مثل هذا إن ساغ في
التشريع فلن يكون إلا في الأمم الراقية التي قطعت شوطا بعيدا في الحضارة ، وكان
أفرادها على حظ عظيم من الأخلاق الفاضلة ، ولا يصلح أن يكون تشريعا عاما ، فالقصاص
بالعدل والمساواة هو الذي يربّى الأمم والشعوب ، وتركه يغرى الأشقياء ، ويجرئهم
على سفك الدماء ، فإن عقوبة السجن لا تزجر كثيرا من الناس ، بل يرون السجون خيرا
لهم من بيوتهم
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) أي فرض عليكم المساوات ، والعدل في القصاص ، لا كما كان
يفعله الأقوياء مع الضعفاء من المغالاة في قتل الكثير بالقليل ، وقتل السيد البريء
بالمسود تعنتا وظلما.
ثم فسر هذه
المساواة بقوله :
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) أي يؤخذ الحر ويقتل بقتل الحر بلا إبطاء ولا جور ، فإذا
قتل حرّ حرّا قتل هو به لا غيره من سادة القبيلة ، ولا عدد كثير منها ،