الطريق القويم الموصل لسعادة الدارين ، ويلهمهم ما فيه الخير لهم ، وهو
تارة يكون فى التوجه إلى بيت المقدس ، وأخرى في التوجه إلى الكعبة.
(وَكَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي وقد جعلنا المسلمين خيارا وعدولا ، لأنهم وسط فليسوا
من أرباب الغلوّ في الدين المفرطين ، ولا من أرباب التعطيل المفرّطين.
وقد كان الناس
قبل الإسلام قسمين : مادّى لا همّ له إلا الحظوظ الجثمانية كاليهود والمشركين ،
وقسم تحكمت فيه تقاليده الروحانية الخالصة وترك الدنيا وما فيها من اللذات الجسمية
، كالنصارى والصابئة وطوائف من وثنى الهنود أصحاب الرياضات.
فجاء الإسلام
جامعا بين الحقّين حق الروح وحق الجسم ، وأعطى المسلم جميع الحقوق الإنسانية ،
فالإنسان جسم وروح ، وإن شئت فقل : الإنسان حيوان وملك ، فكماله بإعطائه الحقين
معا.
(لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ) أي لتشهدوا على الماديين الذين فرّطوا في جنب الله ،
وأخلدوا إلى اللذات : وحرموا أنفسهم من المزايا الروحية ، وقالوا إن هى إلا حياتنا
الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، وتشهدوا على من غلا في الدين وتخلّى عن
جميع اللذات الجثمانية وعذب جسمه ، وهضم حقوق نفسه ، وحرمها من جميع ما أعده الله
لها فى هذه الحياة ، فخرجوا بها عن جادة الاعتدال ، وجنى على روحه بجنايته على
جسمه.
تشهدون على
هؤلاء وهؤلاء وتكونون سباقين للأمم جميعا باعتدالكم وتوسطكم فى جميع شئونكم ، وذلك
هو منتهى الكمال الإنسانى الذي يعطى كل ذى حق حقه ، فيؤدى حقوق ربه ، وحقوق نفسه ،
وحقوق جسمه ، وحقوق ذوى القربى وحقوق الناس جميعا.
(وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيداً) إذ هو المثل الأعلى لمرتبة الوسط ، فنحن إنما نستحق هذا
الوصف إذا اتبعنا سيرته وشريعته ، وهو الذي يحكم على من اتبعها ، ومن حاد عنها
وابتدع لنفسه تقاليد أخرى ، وانحرف عن الجادّة ؛ وحينئذ يكون الرسول