ولا يعتمد على رحمة سواه ، ممن يظن أنهم مقربون إليه ، إذ كل ما يعتمد عليه
من دونه فليس أهلا للاعتماد عليه ، بل الاعتماد عليه من قبيل الشرك.
والإله الذي
بيده أزمّة المنافع ، والقادر على دفع المضارّ ، واحد لا سلطان لأحد على إرادته ،
ولا مبدل لكلماته ، ولا أوسع من رحمته.
وإنما ذكر
الوحدة والرحمة دون غيرهما من صفاته ، لأن الوحدة تذكر أولئك الكافرين الكاتمين
للحق ، بأنهم لا يجدون ملجأ غير الله يقيهم عقوبته ولعنته ، والرحمة بعدها ترغبهم
في التوبة وتحول بينهم وبين اليأس من فضله ، بعد أن اتخذوا الوسطاء والشفعاء عنده.
ثم ذكر ـ عزت
قدرته ـ بعض ظواهر الكون الدالة على وحدانيته ورحمته لتكون برهانا على ما ذكر في
الآية قبلها فقال :
«إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» الآية.
وهذه الظواهر
والآيات ضروب منوّعة :
١ ـ السموات
التي تتألف أجرامها من طوائف ، لكل طائفة منها نظام محكم وللمجموع نظام واحد ، يدل
على أنه صادر من إله واحد لا شريك له في الخلق والتقدير ، والحكمة والتدبير ،
وأقرب تلك الطوائف إلينا المجموعة الشمسية التي تفيض شمسها على أرضنا أنوارها ،
فتكون سببا في حياة الحيوان والنبات ، ويتبعها جملة كواكب تختلف مقاديرها وأبعادها
، استقر كل منها في مداره ، وحفظت النسبة بين بعضها وبعض بسنة إلهية محكمة يعبرون
عنها بالجاذبية ، ولو لا ذلك لتفلتت هذه الكواكب السابحة فى أفلاكها فصدم بعضها
بعضا وهلكت العوالم جميعا.
وفي كل شىء
له آية
تدلّ على أنه
واحد
٢ ـ الأرض ، ففى جرمها ومادتها
وشكلها والعوالم المختلفة التي عليها من الجماد والنبات والحيوان ، وفي منافعهما
المختلفة باختلاف أنواعها ، ما يدل على إبداع الحكيم العليم «وفي الأرض آيات
للموقنين».