(يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) أي استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه ، وعلى سائر
ما يشق عليكم من مصايب الحياة ، بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره ،
وبالصلاة التي تكبر بها الثقة بالله عزّ اسمه ، وتصغر بمناجاته فيها كل المشاقّ.
وإنما خصّ
الصبر والصلاة بالذكر ، لأن الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن ، والصلاة أشد
الأعمال الظاهرة عليه ، إذ فيها خضوع واستسلام لله ، وتوجه بالقلب إليه ، واستشعار
لعظمة الخالق ، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر «اشتدّ عليه» فزع
إلى الصلاة وتلا هذه الآية.
(إِنَّ اللهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ) أي إن الله ناصرهم ومجيب دعوتهم ، ومن كان الله ناصره
فلا غالب له ، أما الجازع فقلبه لاه عن ذكر الله ، والقلب اللاهي ممتلىء بهموم
الدنيا وأكدارها ، وإن حاز الدنيا بحذافيرها.
وقد جرت سنة
الله أن الأعمال العظيمة لا تنجح إلا بالثبات والدأب عليها ، ومدار ذلك كله الصبر
، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه ، فيسهّل له العسير من أمره ، ويجعل له فرجا
من ضيقه ، ومن لم يصبر فليس الله معه ، لأنه تنكّب عن سنته ، فلن يبلغ قصده
وغايته.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ
يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) أي ولا تتحدثوا في شأنهم ، فتقولوا : إنهم أموات ، بل
هم أحياء في عالم غير عالمكم ، ولكن لا تشعرون بحياتهم ، إذ ليست في عالم الحس
الذي يدرك بالمشاعر ، بل هى حياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح
الناس وبها يرزقون وينعمون ، ولا نعرف حقيقة هذه الحياة ولا الرزق الذي يكون فيها
، ولا نبحث عن ذلك لأنه من عالم الغيب ، فنفوض أمره إلى الله ، وقيل إنها حياة
روحانية محضة لا ندرك سرها.