(وَقَتَلَ داوُدُ
جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) كان جالوت جبار الفلسطينيين طلب البراز فلم يجرؤ أحد من
بنى إسرائيل على مبارزته ، حتى جعل طالوت مكافأة لمن يقتله أن يزوجه ابنته ويحكّمه
في ملكه ، فبرز له داود وكان صغير السن ولم يليس درعا ولم يحمل سلاحا ، بل حمل
حجارته ومقلاعه الذي كان من عادته أن يقاتل به الذئب والأسد ، فسخر منه جالوت وقال
: ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة ، لأبدّدن لحمك ، ولأطعمنّه
اليوم للطير والسباع ، فرماه داود بمقلاعه ، فأصاب الحجر رأسه فصرعه ، ودنا منه
فاحتزّ رأسه ، وجاء به فألقاه بين يدى طالوت ، وانهزم من كان معه ، وشهر داود بين
الناس ، وكان له من الصيت والسمعة ما ورث به ملك بنى إسرائيل ، وآتاه الله النبوّة
وأنزل عليه الزبور وعلّمه صنعة الدروع ، ومعرفة منطق الطير ، وعلوم الدين وفصل
الخصومات كما قال تعالى : «وَآتَيْناهُ
الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ» ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله ؛ إذ كان من
أحوالهم أن يبعث الله إليهم نبيا ويملّك عليهم ملكا يأتمر بأمر ذلك النبي ، وكان
نبىّ هذا العصر شمويل والملك طالوت ، فلما توفّيا صار له الملك والنبوة.
ثم بين سبحانه
الحكمة في الأمر بالقتال الذي استفيد من الآيات السالفة فقال :
(وَلَوْ لا دَفْعُ
اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ، وَلكِنَّ اللهَ ذُو
فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) أي ولو لا دفع الله أهل البغي والجور والشرور والآثام
بأهل الإصلاح والخير ، لغلب أهل الفساد وبغوا على الصالحين ، وأوقعوا بهم وصار لهم
السلطان فى الأرض.
فكان من رحمة
الله لعباده وفضله عليهم ، أن أذن للمصلحين بقتال البغاة المفسدين وهو سبحانه جعل
أهل الحق حربا لأهل الباطل ، وهو ناصرهم ما نصروه وأصلحوا فى الأرض.
وقد نسب عز
اسمه الدفع إلى نفسه ، لأنه سنة من سننه في المجتمع البشرى ، وعليه بنى نظام هذا
العالم حتى يرث الله الأرض ومن عليها