بعد أن أمر
سبحانه بالقتال في الآية السابقة دفاعا عن الحق ، وكان ذلك يتوقف على بذل المال
لتجهيز المقاتلة ، والاستعداد للمدافعة ، ولا سيما بعد أن ارتقت الفنون العسكرية ،
واحتاجت إلى علوم وصناعات كثيرة ـ حثّ هنا على بذل المال فيما يعين عليه ، ويعلى
شأن الدين ، ويمنع عداوة المعتدين.
الإيضاح
(مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) حث سبحانه على الإنفاق في سبيل الله بهذا الأسلوب الذي
يستفزّ النفوس ويبسط الأكف ، إذ سماه قرضا لله ، والله غنى عن العالمين ، لعلمه
بأن داعى البذل في المصالح العامة ضعيف في نفوس أكثر الناس والرغبة فيه قليلة ،
فإنك لترى أن الغنى يبذل فضل ماله لأفراد يعيش بينهم ، إما لاتقاء شر حسده ، وإما
لارتفاع مكانته في النفوس ، وإما لجلب محبتهم إياه كما قال :
أحسن إلى
الناس تستعبد قلوبهم
فطالما
استعبد الإنسان إحسان
ولا سيما إذا
كان البذل لذوى القربي ، فحظ النفس فيه أظهر ، إذ يتعذر على الإنسان أن يكون ناعم
البال بين أهل الضر والبؤس ، سعيدا بين الأشقياء والمعوزين.
أما البدل
للدفاع عن الدين وإعلاء كلمته ، وحفظ حقوقه ، فليس فيه شىء من حظوظ النفس التي
تسهل عليها مفارقة ما تحبه وهو المال ، إلا إذا كان تبرعا جهريا يتولاه الحكام
والملوك.
من قبل هذا
احتاج الأمر إلى المبالغة في الترغيب ، فإنك لا تقول : من ذا الذي