احترام صلة الزوجية والبعد عما كانوا يفعلونه في الجاهلية ، إذ كانوا
يتخذون هذه الصلة لعبا ويعبثون بطلاقهن ويمسكونهن عبثا ؛ فقد أخرج ابن مردويه عن
أبي الدرداء قال : كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق ، ثم يقول لعبت فأنزل الله (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «ثلاث جدّهن
جد وهزلهنّ جدّ : الطلاق والنكاح والرجعة».
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ
يَعِظُكُمْ بِهِ) أي وتذكّروا ما أنعم به عليكم من الرحمة التي جعلها بين
الزوجين ، وبها امتنّ علينا في قوله : «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً» ومن جعل النكاح والطلاق والرجعة بأيدينا ، وعدم التضييق في عدد النساء ؛
كما ضيق على من سبقنا إذ أحل لهم امرأة واحدة ولم يحلّ لهم بعد موت المرأة زواج
أخرى ، وبما أنزل به عليكم من آيات أحكام الزوجية التي تجعلكم في هناء في الدنيا
وسعادة في الآخرة ، ومن الحكمة في سنّ تشريع الأحكام وبيان ما فيها من منافع
ومصالح ، إذ معرفة التشريع مع حكمته هى التي تحدث العبرة والعظة الباعثة على
الامتثال.
وقد ذكّرنا
سبحانه بنعمته علينا أن ممكننا من إقامة الصلة الزوجية على أتمّ نظام ، وأن هدانا
بهذا الدين القويم وحدّ لنا الحدود ووضع الأحكام مبينا حكمها وأسرارها ، وأيدها
بالمواعظ التي تهدى إلى اتباعها.
بيد أن الناس
قد أعرضوا عن هذه النعم ففسدت بينهم تلك المودة والرحمة ، وحجبهم عن الموعظة
بالحكمة غرورهم بالقوة وطغيانهم بالغنى ، وكفر النساء نعمة الرجال وتمادين في ذمهم
والتبرم بهم ، وقلد الناس بعضهم بعضا في ذلك.
(وَاتَّقُوا اللهَ) بامتثال أمره ونهيه في أمر النساء وتوثيق الصلة الزوجية
، وترك ما ألف الناس من عدم المبالاة بعقد الزوجية الذي كانوا يرونه كعقد الرق
والإجارة في المتاع الخسيس ، بل كانوا يرونه دون ذلك ، إذ كانوا يطلقون المرأة
لأتفه سبب ، ثم يعودون إليها ، يفعلون ذلك المرة بعد المرة للضرار والإهانة.