عن الإسلام إذا كان وحده ، فكيف إذا اقترن به غيره من الآثام كالصدّ عن
سبيل الله ، وعن المسجد الحرام ، والكفر بالله ، والاعتداء بالقتال.
وفي قوله إن
استطاعوا استبعاد لاستطاعتهم ، وشك في حصولها ، وتنبيه إلى سخف عقولهم ، وكون
فعلهم هذا عبثا لا يوصل إلى غرض ، لأن من عرف الإسلام معرفة صحيحة لا يرجع عنه إلى
الكفر ، وهكذا حال الكافرين في كل عصر ومصر يقاتلوننا ليردونا عن ديننا إن
استطاعوا.
ثم عاقبة من
يتأثر بهذه الفتنة فيرتد عن دينه فقال :
(وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي ومن يرجع منكم عن الإسلام إلى الكفر ، ويمت على هذه
الحال ـ بطلت أعماله حتى كأنه لم يعمل صالحا قط ، لأن قلبه قد أظلم فيذهب من نفسه
أثر الأعمال الصالحة الماضية ، ويخسر الدنيا والآخرة ، أما خسارة الدنيا فلما
يفوته من فوائد الإسلام العاجلة ، إذ يقتل عند الظفر به ، ولا يستحق موالاة
المسلمين ولا نصرتهم ، وتبين منه زوجته ، ويحرم الميراث ، وأما خسارة الآخرة فيكفى
في بيانها قوله : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
والردة تارة
تحصل بالقول كإنكار شىء مما علم من الدين قطعا ، وأخرى بالفعل الذي يوجب استهزاء
صريحا بالدين كالسجود للشمس والصنم والاستهانة بالمصحف ونحو ذلك.
وظاهر الآية
يدل على أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت صاحبها على الكفر ، وبه أخذ الشافعي ،
ورأى أبو حنيفة أن الردة تحبط العمل حتى ولو رجع صاحبها إلى الإسلام تمسكا بعموم
قوله تعالى : «وَلَوْ
أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» وقوله : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ».
ولما ذكر حال
المشركين وحكم المرتدين ، بين جزاء المؤمنين المهاجرين والمجاهدين فقال :