جاء لفظ الأمة
في كتاب الله لعدة معان : (١) الملة : أي العقائد وأصول الشرائع كما في قوله : «إِنَّ هذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» ، (٢) الجماعة الذين تربطهم رابطة يعتبرون بها وحدة
تسوغ أن يطلق عليها اسم الأمة كما في قوله :
«وَمِمَّنْ خَلَقْنا
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» ، (٣) الزمن كما في قوله : «وَلَئِنْ أَخَّرْنا
عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» وقوله : «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» ، (٤) الإمام الذي يقتدي به كما في قوله : «إِنَّ إِبْراهِيمَ
كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ» ، (٥) إحدى الأمم المعروفة كما في قوله : «كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ».
المعنى
الجملي
بعد أن أمر
سبحانه الذين آمنوا بنبيه أن يدخلوا في السلم كافة ، وأن يكونوا في وفاق لا نزاع
معه ، إذ ينبغى لمن جاءته الهداية من ربه ألا ينحو في عمله إلى ما يدعو إلى خلاف
أو يثير نزاعا ، بل الواجب عليه أن يقف عند ما حدده الكتاب الإلهى والهدى السماوىّ
، ثم ذكر أن جاحد الحق إنما ينظر في عمله إلى ما يوفّر عليه لذته فى هذه الحياة
الدنيا ، فهو لا يسعى إلا إلى لذة عاجلة ، ومن كانت هذه حاله كان فى خلاف وشقاق.
ذكر هنا أن
الاهتداء بهدى الأنبياء ضرورى للبشر ، إذ أن الله قضى أن يكون الناس أمة واحدة
يرتبط بعضهم ببعض ، ولا سبيل لعقولهم وحدها أن تصل إلى ما يلزمهم في توفير مصالحهم
، ودفع المضار عنهم ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأيدهم بالدلائل القاطعة
على صدقهم ، وعلى أن ما يأتون به إنما هو من عند الله القادر على إثابتهم وعقوبتهم
، العالم بما في ضمائرهم ، الذي لا تخفى عليه خافية من أسرارهم.