والتنازع ، إذ هى سبله التي يزينها للناس ، ويسوّل لهم فيها المنافع
والمصالح ، فقد كانت اليهود أمة واحدة مجتمعة على كتاب واحد ، فوسوس لهم الشيطان
فتفرقوا وجعلوا لهم مذاهب وشيعا ، وأضافوا إلى الكتاب ما أضافوا ، وحرّفوا من حكمه
ما حرّفوا ، فسلّط الله عليهم أعداءهم فمزقوهم كل ممزّق ، وهكذا فعل غيرهم من أهل
الأديان ، كأنهم رأوا دينهم ناقصا فكملوه ، وقليلا فكثّروه فثقل عليهم بذلك فوضعوه
، فذهب الله بوحدتهم ولم تغن عنهم كثرتهم ، إذ سلّط عليهم الأعداء وأنزل بهم
البلاء.
ثم ذكر السبب
في النهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال :
(إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي إنه ظاهر العداوة لكم ، فإن جميع ما يدعو إليه ظاهر
البطلان ، بيّن الضرر لمن تأمل فيه وتفكر ، ومن لم يدرك ذلك في مبدأ الخطوات أدركه
فى الغايات ، حين يذوق مرارة العاقبة ، فلا عذر لمن بقي على ضلالته بعد تذكير الله
وهداية عباده إلى سبل الخير ، وتحذيره إياهم من سلوك طرق الشر.
ثم توعدهم إذا
هم حادوا عن الهج السويّ والطريق المستقيم فقال :
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ
مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي فإن حدتم عن صراط الله وهو السلم ، وسرتم في طريق
الشيطان وهى طريق الخلاف والافتراق ، بعد أن بيّن لكم عداوته ، ونهاكم عن اتباع
طرقه وخطواته ، فاعلموا أن الله يأخذكم أخذ عزيز مقتدر ، فهو عزيز لا يغلب على
أمره ، حكيم لا يهمل شأن خلقه ، ولحكمته قد وضع تلك السنن في الخليقة ، فجعل لكل
ذنب عقوبة ، وجعل العقوبة على ذنوب الأمم ضربة لازب في الدنيا ، ولم يؤخرها حتى
تحلّ بها في الحياة الأخرى.
ولا تقوم للأمم
قائمة إلا إذا أقامت العدل بين أفرادها ، وكانت صالحة لعمارة الأرض كما قال تعالى
: «وَلَقَدْ
كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ
الصَّالِحُونَ» وهكذا الأفراد إذا لم ينهجوا النهج السوىّ ويتحلّوا بفاضل الأخلاق ، فلن
يوفّقوا في دنياهم ولا في أخراهم.