(ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) أي ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب وتغلو فى مكابدة
الشدائد حين تحاور أولئك القوم الطغاة ، وتقاول أولئك العتاة ، وتفرط فى الأسى على
كفرهم ، وتتحسر على عدم إيمانهم ، بل أنزلناه عليك لتبلّغ وتذكّر وقد فعلت ، فلا
عليك إن لم يؤمنوا بعد هذا.
وقصارى ذلك ـ إنا
أنزلناه عليك لتذكر به ، فمن آمن وأصلح فلنفسه ، ومن كفر فلا يحزنك كفره ، إن عليك
إلا البلاغ ، ولست عليهم بمسيطر.
وفى هذا تسلية
له صلّى الله عليه وسلّم على ما كان يعتريه من التعب والنّصب حين كان يدعو أولئك
القوم ذوى اللدد والخصومة ، ولا عجب فالكلام صنعتهم ، وبه يتفاخرون ، وعليه
يعتمدون ، إذ يقرعون الحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان ، وهو لديهم أمضى من
السّنان.
(إِلَّا تَذْكِرَةً
لِمَنْ يَخْشى) أي ما أنزلناه عليك لشقائك ، ولكن أنزلناه تذكيرا لمن
يخشى الله تعالى ويتأثر بالإنذار لرقة قلبه ، وحسن استعداده ، وقد كان عليه السلام
يعظهم به بتلاوته وتفسير ما جاء به من مقاصد وأغراض ومصالح لهم فى دنياهم وآخرتهم.
وخص الخاشعين
بالذكر مع أن القرآن تذكرة للناس كلهم ، من قبل أن غيرهم كأنه لا وجود له لعدم
انتفاعه به.
وخلاصة ذلك ـ حسبك
ما حمّلته من متاعب التبليغ والتبشير والإنذار ، ولا تنهك بدنك بحملهم على قبول
الدعوة والاستجابة لأمرك ، فإن ذلك من شأننا لا من شأنك ، وبيدنا لا بيدك.
(تَنْزِيلاً مِمَّنْ
خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) أي نزّل عليك تنزيلا من ربك الذي خلق الأرض والسموات
العلى ، والمراد بهما ما فى جهة السفل والعلو ، ويستتبع ذلك كل ما يتعلق بهما.