ثم بين سبحانه
ما سيظهر فى ذلك اليوم من الفصل بين المتقين والمجرمين فى كيفية الحشر فقال :
(يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) أي واذكر أيها الرسول لقومك ، يوم نحشر المتقين إلى دار
الكرامة ركبانا ، كما يفد الوافدون على أبواب الملوك ، ينتظرون إكرامهم وإنعامهم.
وقد أثر عن
علىّ أنه قال : والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقا ، ولكنهم يؤتون
بنوق لم ير الخلائق مثلها. وعليها رحال الذهب. وأزمّتها الزبرجد ، فيركبون عليها
حتى يضربوا أبواب الجنة ـ وهذا تمثيل لحالهم فى عزهم وعظمتهم وإكرام ربهم لهم.
(وَنَسُوقُ
الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) أي ونسوق الكافرين بالله إلى جهنم مشاة قد تقطعت
أعناقهم من العطش ، فهم كالدواب التي ترد الماء.
(لا يَمْلِكُونَ
الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) أي لا يملك العباد الشفاعة إلا من اتخذ عهدا عند الله ،
بأن أعد لها عدّتها فكان فى الدنيا هاديا مصلحا ، فيكون فى الآخرة شافعا مشفّعا ،
لا جرم أن ينالها فى الآخرة على مقدار هدايته فى الدنيا ، فالشفاعة حينئذ لا تكون
إلا للأنبياء والعلماء والشهداء على مقدار أتباعهم.
روى أن ابن
مسعود قرأ هذه الآية ثم قال : أتّخذ عند الله عهدا ، فإن الله يقول يوم القيامة :
من كان له عند الله عهد فليقم ، قالوا يا أبا عبد الرحمن فعلّمنا ، قال : قولوا «اللهمّ
فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، إنى أعهد إليك فى هذه الحياة الدنيا
ألا تكلنى إلى عمل يقربنى من الشر ويباعدنى من الخير ، وإنى لا أثق إلا برحمتك ،
فاجعل لى عندك عهدا تؤديه إلىّ يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد».