للمبالغة فى إظهار الآية العظيمة ، وأن هذا المولود يفهم الإشارة ، ويقدر
على العبارة.
(قالُوا كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) أي قالوا لها ، متهكمين بها ، ظانين أنها تزدرى بهم
وتهزأ : كيف نكلم من هو صبى فى المهد ، ولم يعهد فى مثله وهو لم يدرج بعد من حجر
أمه أن يكلم أحدا؟.
روى أن عيسى
لما سمع كلامهم أقبل عليهم وترك الرضاع وأشار بيمينه ، ثم بدأ يتكلم فوصف نفسه
بجملة صفات :
(١) (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) أي إنى عبد الله الذي له صفات الكمال لا أعبد غيره ،
وفى هذا إيماء إلى أن من كان لا يتخذ إلها من دونه ، ولا يستعبده شيطان ولا هوى.
(٢) (آتانِيَ الْكِتابَ) أي سينزل علىّ الإنجيل.
(٣) (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) أي وسيجعلنى نبيا ، وفى هذا براءة لأمه ، لأن الله لا
يصطفى لنبوته أولاد سفاح.
(٤) (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) أي سيجعلنى نفاعا للناس هاديا لهم إلى سبيل الرشاد فى
أىّ مكان كنت ، وقد جعل هذه الصفات كأنها حدثت له فعلا وهى لم تحصل بعد ، من قبل
أنها لما كانت واقعة حتما نزّلت منزلة ما قد حصل.
(٥) (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ
حَيًّا) أي وأمرنى بالصلاة ، إذ فى إقامتها وإدامتها على الوجه
الذي سنه الدين ـ تطهير النفوس من الأرجاس ومنع لها عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها
وما بطن ، وأمرنى بالزكاة بإعطاء جزء من المال للبائس والمحتاج ، لما في ذلك من
تطهير المال ـ ما دمت حيا فى الدنيا.
(٦) (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي وجعلنى برا بوالدتي ، مطيعا لها محسنا ، وفى هذا رمز
إلى نفى الريبة عنها ، إذ لو لم تكن كذلك لما أمر الرسول المعصوم بتعظيمها.