إنى أستجير بالرحمن منك أن تنال منى ما حرّم الله عليك إن كنت ذا تقوى له ،
تتقى محارمه ، وتجتنب معاصيه ، فمن يتق الله يجتنب ذلك.
وإجمال المعنى
ـ إنه لما تبدى لها فى صورة البشر وهى فى مكان منفرد ، وبينها وبين قومها حجاب
خافته وظنت أنه يريدها على نفسها فقالت : إنى أعوذ بالله منك إن كنت تخافه ـ وقد
فعلت المشروع فى الدفع وهو أن يكون بالهوينى والأسهل فالأسهل.
وخلاصة ذلك ـ إن
الاستعاذة لا تؤثر إلا فى التقى ، لأن الله تعالى يخشى فى حال ، دون حال ، فهو
كقوله : «وَذَرُوا
ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» أي إن الإيمان يوجب ذلك.
فلما علم جبريل
خوفها :
(قالَ إِنَّما أَنَا
رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) أي فقال الملك مجيبا لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف
على نفسها : لست ممن تظنين ، ولا يقع منى ما تتوهمين من الشر ، ولكنى رسول ربك
بعثني إليك ، لأهب لك غلاما طاهرا مبرّأ من العيوب ، وقد أضاف الهبة إلى نفسه من
قبل أنها جرت على يده بأن نفخ فى جيبها بأمر الله.
ولما عجبت مريم
مما سمعت :
(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ
لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) أي قالت لجبريل : من أي وجه يكون لى غلام ، ولست بذات
زوج ، ولا يتصور منى الفجور؟.
(قالَ كَذلِكِ قالَ
رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي قال الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال :
إنه سيوجد منك غلام وإن لم تكونى ذات بعل ، ولا تقترفين فاحشة ، فإنه تعالى على ما
يشاء قدير ، ولا يمتنع عليه فعل ما يريده ، ولا يحتاج فى إنشائه إلى الموادّ
والآلات.