مكذب له ، فهو على نحو ما حكى الله عن بعض الجاحدين بقوله : «وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي
نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ» وهم لا يؤمنون بالإنزال عليه.
(وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ
لِي نَفْسِي) أي كما زينت لى نفسى أولا اتباع سنتك واقتفاء أثرك ،
زينت لى أيضا ترك ذلك بمحض الهوى لا لشىء آخر من برهان عقلى أو نقلى أو إلهام
إلهى.
والخلاصة ـ لم
يدعنى إلى ما فعلت إلا هوى النفس فحسب : ولما سمع موسى من السامري ما سمع بيّن له
ما سينزل به من الجزاء فى الدنيا والآخرة وذكر له حال إلهه ، أما عزاؤه هو فى
الدنيا فما حكاه سبحانه عنه.
(قالَ فَاذْهَبْ
فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) أي قال له : اذهب فأنت طريد من بين الناس ، فلا يخالطك
أحد ولا تخالط أحدا ، حتى لو سئلت عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس : أي لا يماسّنى
أحد ، ولا أماسّ أحدا ، قال مقاتل : إن موسى عليه السلام أمره هو وأهله بالخروج من
محلة بنى إسرائيل ، فخرج طريدا فى البراري.
وروى أنه لما
قال له موسى ذلك هرب ، فجعل يهيم فى البريّة مع السباع والوحش ، ولا يجد أحدا من
الناس يمسه حتى صار كمن يقول لا مساس ، لبعده عن الناس وبعد الناس عنه.
وقصارى ذلك ـ إنه
خاف وهرب ، وجعل يهيم فى الصحارى والقفار حتى صار لبعده عن الناس كأنه قائل ذلك.
وأما جزاؤه فى
الآخرة فقد ذكره بقوله :
(وَإِنَّ لَكَ
مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي وإن لك موعدا فى الآخرة لن يخلفكه الله ، بل سينجزه
لك البتة ، بعد أن يعاقبك فى الدنيا ، وهو آت لا محيص منه.