نارا ظاهرا للمبصرين فأحرقه ، ولم يصل إلى معرفة شىء مما يدبّر فى ملكوت
السموات ، وبهذا المعنى قوله : «لا
يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ».
وجاء بمعنى
الآية قوله فى سورة الجن حكاية عنهم : «وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسا
شديدا وشهبا. وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا»
وقوله فى صورة الملك : «وَلَقَدْ
زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ».
وبعد ، فالكتاب
الكريم أخبر بأن الشياطين أرادوا أن يختطفوا شيئا من أخبار الغيب مما لدى الملائكة
الكرام ، فسلّطت عليهم الشهب المشتعلة ، والنجوم المتقدة ، فأحرقتهم ، ولا نبحث عن
معرفة كنه ذلك ، ولا ننعم فى النظر ، لندرك حقيقته ، لأنا لم نؤت من الوسائل
والأسباب ما يمكننا من معرفة ذلك معرفة صحيحة ، تجعلنا نؤمن به إيمانا مبنيا على
البرهان بوسائله المعروفة ، وليس لنا إلا التصديق بما جاء فى الكتاب وأوحى به إلى
النبي الكريم ، والبحث وراء ذلك لا يقفنا على علم صحيح ، بل على حدس وتخمين ، لا
حاجة للمسلم به للاطمئنان فى دينه ، فالأحرى به أن يعرض عنه لئلا يحيد عن القصد ،
ويضل عن سواء السبيل.
وبعد أن ذكر
الدلائل السماوية على وحدانيته أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال :
(وَالْأَرْضَ
مَدَدْناها) أي وقد بسطنا الأرض وجعلناها ممتدة الطول والعرض والعمق
، ليمكن الانتفاع بها على الوجه الأكمل ، وهذا فيما يظهر فى مرأى العين ، فلا يدل
على نفى الكروية عن الأرض ، لأن الكرة العظيمة ترى كالسطح المستوي.
(وَأَلْقَيْنا فِيها
رَواسِيَ) أي وجعلنا فيها جبالا ثوابت خوف أن تضطرب بسكانها كما
قال فى آية أخرى : «وَأَلْقى
فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ»
وقد سبق تفصيل ذلك فى
سورة الرعد.