responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 92
وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ وَأَدَاءِ الطَّاعَةِ. وَهَذَا بَيِّنٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوا الْيَهُودَ وَقَالُوا: نَحْنُ سُقَاةُ الْحَاجِّ وَعُمَّارُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَفَنَحْنُ أَفْضَلُ أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ عِنَادًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ أَفْضَلُ. وَقَدِ اعْتَرَضَ هُنَا إِشْكَالٌ وَهُوَ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَلَّا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَلَّا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مما قلتم. فزجر هم عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يَوْمُ الْجُمُعَةِ- وَلَكِنْ إِذَا صُلِّيَتِ الْجُمُعَةُ دَخَلْتُ وَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَهَذَا الْمَسَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَلِيقُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ:" وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" فَتَعَيَّنَ الْإِشْكَالُ. وَإِزَالَتُهُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ. وَإِنَّمَا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةَ عَلَى عُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَئِذٍ. وَاسْتَدَلَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ مِمَّا قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ سَمِعَهُمْ عُمَرُ، فَاسْتَفْتَى لَهُمْ فَتَلَا عَلَيْهِ مَا قَدْ كَانَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا أُنْزِلَ فِي الْكَافِرِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحْكَامَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ. قِيلَ لَهُ: لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يُنْتَزَعَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْمُشْرِكِينَ أَحْكَامٌ تَلِيقُ بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَوْ شِئْنَا لَاتَّخَذْنَا سَلَائِقَ [1] وَشِوَاءً وَتُوضَعُ صَحْفَةٌ وَتُرْفَعُ أُخْرَى وَلَكِنَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:" أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها" [2] [الأحقاف: 20]. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي الْكُفَّارِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفَهِمَ مِنْهَا عُمَرُ الزَّجْرَ عَمَّا يُنَاسِبُ أَحْوَالَهُمْ بَعْضَ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. وَهَذَا نَفِيسٌ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ ويرتفع الإبهام، والله أعلم.

[1] سلائق: الحملان المشوية ويروى بالصاد.
[2] راجع ج 16 ص 199.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 92
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست